ومن الأمثلةِ تفسيرُ لفظِ: ((البروجِ)) في قوله تعالى: ( وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ ) [البروج: ١]، فقد فسِّر لفظ البروج بأنه النُّجومُ، فيكونُ المعنى: يقسمُ ربُّنا تعالى بالسماءِ صاحبةِ النُّجومِ.
فإنْ قلتَ: ما الموقفُ من الوجوهِ التَّفسيريَّةِ، هل تُعَدُّ من التَّفسيرِ؟.
فالجوابُ: نعم.
واحتمالُ الآيةِ لأكثرَ من وجهٍ لا يعني خروجَ هذه الأوجه عن التَّفسيرِ، بل هي منه، لأنَّ في كلِّ منها بيانًا، وإن اختلفتْ في تحديده.
مثالُ ذلك، اختلافهم في معنى ((انكدرت)) من قوله تعالى: ( وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ) [التكوير: ٢]، فقد ورد فيها معنيان:
الأول: تناثرت، فجعلهُ من الانكدار، أي: الانصباب، ويشهدُ له قوله تعالى: ( وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ ) [الانفطار: ٢].
الثاني: تغيَّرت، فجعله من الكُدرةِ، وهي التَّغيُّرُ بعد الصَّفاء، ويشهد له قوله تعالى: ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) [المرسلات: ٨].
وفي كلا المعنيينِ بيانٌ، فلو قلتَ بالقولِ الأولِ، لكان المعنى: ((وإذا النُّجومُ تناثرت وسقطت)). وإذا قلتَ بالقول الثاني، كان المعنى: ((وإذا النُّجومُ تغيَّرت وذهب ضوؤها)).
وهذا يعني أنَّك في هذه الخلافاتِ التَّفسيريَّةِ لا ترى: هل وقع الخلافُ في المعنى المرادِ أم لا؟.
وإنَّما الذي يَعْنِيكَ فيها: هل هذه الأوجهُ التَّفسيريَّةُ المختلفةُ ينطبقُ عليها حدُّ البيانِ أم لا؟.
معلوماتٌ تفيدُ في تقويةِ بيانِ المعنى، وبهذا تكونُ أقربَ إلى علمِ التَّفسيرِ من غيرها، والفرق بينها وبين سابِقها: أنَّ المعنى يكونُ قد اتَّضحَ وبانَ، وهذه المعلوماتُ تزيدُه وضوحًا وتقوِّيه، بحيثُ لو جهلها المفسِّرُ، فإنَّها لا تؤثِّر على فَهمِ المعنى المرادِ.


الصفحة التالية
Icon