١٥-١٧- قوله تعالى ﴿كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم * ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون﴾ : هذا تكرار للرد على أولئك المكذبين، وبيان أنهم ممنوعون من رؤية الله سبحانه(١)، ثم إنهم سيدخلون النار التي تشويهم بحرها، ثم تقول لهم ملائكة العذاب: هذا العذاب الذي كنتم لا تصدقون به.
١٨-٢٠- قوله تعالى :﴿كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم﴾ ؛ أي : ليس الأمر كما تقولون من تكذيبكم بالجزاء والعذاب، ثم أخبر عن كتاب الذين أطاعوا ربهم فأكثروا، وعبدوه فأحسنوا، أخبر أن كتابهم عال قدرة في السماء السابعة(٢)

(١)... استدل علماء السلف بهذه الآية على وقوع روية ا لمؤمنين ربهم يوم القيامة، فقالوا : لما حجب هؤلاء في حال السخط، دل على أن قوماً يرونه في حال الرضا، ويشهد لهذا أن الله أثبت للأبرار الذين هم مقابل هؤلاء القوم، أثبت لهم الرؤية بقوله :﴿على الإراءك ينظرون﴾، كما سيأتي، فكون هذه الآية نظيراً لتلك أولى، والله أعلم...................... =
(٢)... وقد أورد ابن جرير عن الحسن البصري في تفسير هذه الآية قوله : يكشف الحجاب، فينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية، وهذه الرواية من طريق عمرو بن عبيد المعتزلي، وكأن الإمام يرمي إلى مخالفة المعتزلة لما رواه عمرو بن عبيد أحمد شيوخهم في إثبات الرؤية عن الحسن الذي يدعون –زوراً- أنه من المعتزلة، والله أعلم.
... وقد أورد الطبري قولاً آخر وترجم له بقوله :"فقال بعضهم : معنى ذلك : إنهم محجوبون عن كرامته"، وأورد تحت هذه الترجمة قول قتادة من طريق خليد، قال :"هو لا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم". وقول ابن أبي مليكة :"المنان، والمختال، والذي يقتطع أموال الناس بيمينه بالباطل".
... وهذا القول أعم من نفي رؤيتهم لربهم، والرؤية أعلى كرمات الرب لعباده، وعلى هذا فإنه لا تنافي بين القولين من هذا الوجه، ولذا قال ابن جرير الطبري :"وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم أنهم عن رؤيته محجوبون، ويُحتمل أن يكون المراد به الحجاب عن كرامته، وأن يكون المراد به الحجاب عن ذلك كله، ولا دلالة في الآية تدل على أنه مراد بذلك الحجاب معنى دون معنى، ولا خبر عن رسول الله ﷺ قامت حجته. فالصواب أن يقال : هم محجوبون عن رؤيته، وعن كرامته، إذ كان الخبر عاماً، ولا دلالة على خصوصه".
... وما ذكرته سابقاً يرجح المعنى الأول على الثاني، والله أعلم.
... وهذا الاختلاف من قبيل اختلاف التنوع ؛ لصحة القولين، واحتمال الآية لهما معاً، وسبب الخلاف: أن في الآية حذفاً، وقد اختلفوا في تقديره، فقدره بعضهم : محجوبون عن كرامته، وقدره آخرون : محجوبون عن رؤيته. والله أعلم.
( )... اختلف السلف في المراد بعليين، على أقوال :
... الأول : السماء السابعة، وهو قول كعب الأحبار، وقتادة من طريق عبيد الله العتكي، وزيد بن أسلم من طريق ابنه أسامة، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح.
... الثاني : قائمة العرش اليمنى، وهو قول قتادة من طريق معمر وسعد.
... الثالث : الجنة، وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة.
... الرابع : عند سدرة المنتهى، وهو قول الضحاك من طريق الاجلح.
... الخامس : في السماء عند الله، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، والضحاك من طريق عبيد. =


الصفحة التالية
Icon