... ١٣-١٥- قوله تعالى :﴿إنه كان في أهله مسروراً * إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيراً﴾ ؛ أي : إن هذا الذي أوتي كتابه وراء ظهره كان في أهله في الدنيا(١) فرحاً لما هو فيه من المعاصي، وكان يعتقد أنه لن يرجع إلى الحياة بعد الممات(٢)، ولذا كان يركب المعاصي ولا يبالي، ولكنه مخطئ في هذا الاعتقاد، بل سيرجع ويحاسب على أعماله التي كان الله مطلعاً عليها.
... ١٦-١٨- قوله تعالى :﴿فلا أقسم بالشفق * والليل وما وسق * والقمر إذا اتسق﴾ : يقسم الرب سبحانه بحمرة الأفق التي تظهر عند غروب الشمس(٣)

(١)... قال قتادة من طريق سعيد :"أي في الدنيا".
(٢)... كذا ورد عن السلف : ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة :"يبعث"، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح :"ألا يرجع إلينا"، وقتادة من طريق سعيد :"أن لا معا ولا رجعة"، ومن طريق معمر :"أن لن ينقلب، يقول : لن يبعث"، وكذا قال ابن زيد، وقال سفيان الثوري من طريق مهران :"يرجع". وهذه الأقوال متفقة، وإنما بينها اختلاف عبارة، والله أعلم.
(٣)... نسب ابن جرير إلى بعض أهل العراق هذا القول، ولم يذكرهم، وقد ورد تفسيره بذلك عن ابن عمر (الدر المنثور)، ومكحول (تفسير عبد الزراق)، ونسبه ابن كثير في تفسيره إلى علي وابن عباس وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وشداد بن أوس وابن عمر ومحم بن علي بن الحسين ومكحول وبكر بن عبد الله المزني وبكير بن الأشج ومالك وابن أبي ذنب وعبد العزيز بن سلمة بن الماجشون، ونقل هذا المعنى عن الخليل والجوهري من علماء اللغة.
... ويلاحظ أن هذا اللفظ مما يتعلق به حكم شرعي، فقد ورد في صحيح مسلم عن رسول الله ﷺ أنه قال :"وقت المغرب ما لم يغب الشفق". وهذا القول هو الصواب، وهو اختيار ابن جرير وابن كثير وغيرهم من المفسرين، والله أعلم.
... وقد قال مجاهد في تفسير الشفق :"النهار كله"، ورد ذلك عنه من طريق ابن أبي نجيح ومنصور، وقال في رواية العوام بن حوشب :"إن الشفق من الشمس"، ويظهر أنه إنما حمله على هذا، قرنه بقوله تعالى :﴿والليل وما وسق﴾ (تفسير ابن كثير)، وقال عنه ابن القيم :"وهذا ضعيف جداً..". (التبيان في أقسام القرآن : ٦٩.
... وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه من الأضداد، فيقال للحمرة : شفق، وللبياض شفق، ولم ينسبه إلى أحد، وقد ورد عن أبي هريرة وعمر بن عبد العزيز تفسير الشفق بالبياض (تفسير عبد الرزاق)، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon