١- قوله تعالى :﴿والسماء ذات البروج﴾ : يقسم ربنا بالسماء صحابة النجوم ومنازلها(١)

(١)... تدل مادة برج في اللغة على البروز ولظهور، ومنه سمي القصر والقلعة برجاً ؛ لظهورهما وبروزهما فوق الأرض يراهما المشاهد دون عناء، وبها سميت منازل الشمس والقمر بروجاً، ومنه تبرج المرأة، وهو إظهار محاسنها. وقد وقع اختلاف بين السلف في معنى البروج عنا على أقوال :
... الأول : قصور في السماء، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، وحكاه الضحاك من طريق عبيد المكتب، وقد أورد الطبري في قوله تعالى :﴿تبارك الذي جعل في السماء بروجا﴾ قول عطية العوفي من طريق إدريس، ويحيى بن رافع من طريق إسماعيل، وإبراهيم من طريق منصور، وأبي صالح من طريق إسماعيل، وهذا القول مبناه : تسمية القصور والبروج : والله أعلم.
... الثاني : النجوم، وهو قول مجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وابن أبي نجيح من طريق سفيان الثوري، وقتادة من طريق سعيد، وذكر الطبري في آية الفرقان قول أبي صالح من طريق إسماعيل، وقتادة من طريق معمر، ونسبه ابن كثير إلى ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي.
... ويظهر أن من فسرها بالقصور، اعتمد المعنى الأشهر من اللفظ، ولذا قال ابن جرير الطبري في ترجيح معنى البروج في قوله تعالى :﴿تبارك الذي جعل في السماء بروجا﴾ [الفرقان : ٦١] :"وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال : هي قصور في السماء ؛ لأن ذلك في كلام العرب ﴿ولو كنتم في بروج مسيدة﴾ [النساء : ٧٨]، وقول الأخطل :
... كأنها برج رومي يشيدة...... ـان بجص وآجر وأحجار
... يعني بالبرج : القصر ".
... وتفسيرها بمطلق القصر يمكن أن يدخل فيه تفسيرها بمنازل الشمس والقمر ؛ لأنهما كالصر بالنسبة لغيرهما، أما من جعل هذه القصور لحرس السماء ؛ كما ورد عن عطية العوفي وأبي صالح، فإنه يحتاج إلى ما يعضده من خبر الصادق ؛ لأن مثل ذلك التحديد لا يمكن أن يعرف إلا من جهة الخبر، والله أعلم.
وأما تفسيرها بالنجوم : فإن أصل المادة التي تدل على الظهور تحتمل دخول النجوم فيها ؛ لأنها ظاهرة بارزة للعيان، وهذا التفسير أقرب الأقوال ؛ لأنه أظهر للناس بخلاف غيره، وقاعدة القسم : ن يكون المقسم به مما يعلمه عامة الناس، أو يرون أثره، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon