– إذا لم يتوبوا إلى الله من فعلهم فيصيروا بهذه التوابة من أولياء(١)، فإن الله سيعذبهم بنار جهنم التي تبطق عليهم بظلماتها، وبنار الحريق التي تحرقهم(٢).
١١- قوله تعالى :﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير﴾ ؛ أي : إن الذين أقروا بتوحيد الله من الذين عذبوا بالنار وغيرهم من المؤمنين، وعملوا بطاعة الله : بفعل أوامره واجتناب نواهيه، لهم بساتين تجري على أرضها البن والعسل والماء، وذلك النعيم هو الظفر الكبير الذي ينتظرهم في الآخرة.
١٢- قوله تعالى :﴿إن بطش ربك لشديد﴾ ؛ أي : إن أخذ ربك ما محمد وانتقامه قوي، كما أخبر عنه الرسول ﷺ بقوله :"إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ :﴿وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد﴾.
١٣-١٤- قوله تعالى :﴿إنه هو يبدئ ويعيد * وهو الغفور الودود﴾ ؛ أي : إن الله ذا البطش الشديد يبدئ العذاب على الكافرين في الدنيا، ويعيده عليهم في الآخرة(٣)

(١)... قال الحسن البصري :"انظروا إلى هذا الكرم والجود، يقتلون أولياءه ويفتنونهم، وهو يدعوهم إلى المغفرة..." انظر :(التبيان في أقسام القرآن : ٥٩).
(٢)... حمل بعض المفسرين ؛ كالربيع بن أنس، هذه الآية على قصة أصحاب الأخدود، وقالوا بأن النار التي أوقدوها التهمتهم بعد ما ألقوا فيها المؤمنين، وأن هذا هو المراد بعذاب الحريق، والله أعلم بما كان، ولكن هذا لا يعني أن نار الحريق في الدنيا، فالنار دركات، ويجوز أن تكون هاتان المذكورتان منها.
(٣)... ورد في هذا تأويلان عن السلف :
... الأول : يبدئ الخلق ويعيده، وهو قول الضحاك من طريق عبيد، وقول ابن زيد.
... والثاني : يبدئ العذاب في الدنيا ويعيده يوم القيامة، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، ورجحه ابن جرير، فقال :"وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب وأشبههما بظاهر ما دل عليه التنزيل، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، وهو أنه يبدئ العذاب لأهل الكفر به ويعيد، كما قال جل ثناؤه ﴿فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق﴾ في الدنيا، فأبدأ لهم ذلك في الدنيا، وهو يعيده لهم في الآخرة.
... وإنما قلت : هذا أولى التأويلين بالصواب ؛ لأن الله اتبع ذلك قوله :﴿إن بطش ربك لشديد﴾، فكان للبيان عن معنى شدة بطشه الذي قد ذكره قبله، أشبه به بالبيان علما لم يجر له ذكر، ومما يؤيد ما قلنا من ذلك وضوحاً وصحة، قوله :﴿وهو الغفور الودود﴾، فبين ذلك عن أن الذي قبله من ذكر خبره عن عذابه وشدة عقابه".


الصفحة التالية
Icon