٣- قوله تعالى :﴿عاملة ناصبة﴾ ؛ أي ك هذه الوجوه الكافرة عاملة في النار، تعمل من الأعمال ما به مشقة وتعب، ومن ذلك جر السلاسل والأغلال وغيرها من أنواع العذاب التي تعملها في النار(١).
٤- قوله تعالى :﴿تصلى نار حامية﴾ ؛ أي : ترد هذه الوجوه ناراً قد اشتد حرها، فتشويها بحرها.
٥- قوله تعالى :﴿تسقى من عين ءانية﴾ ؛ أي : تسقى ملائكة العذاب هذه الوجوه الكافرة من ماء عين قد بلغت حرارتها أشد ما يكون من الحرارة(٢)

(١)... سياق الآيات يدل على أن هذا العمل يكون في النار، ولا يصح أن يقال : إن الآخرة ليس فيها عمل ؛ لأن هذه المسألة لا دليل عليها من كتاب ولا سنة، وإنما هي استنباط عقلي، وهو غير صحيح. وبهذا جاء التفسير عن السلف، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق العوفي، والحسن من طريق أبي رجاء، وقتادة من طريق سعيد ومعمر، وابن زيد............. =
(٢)... وقد حمل بعض المفسرين الآية على الدنيا ن وقال أبنها في الرهبان الذي يتعبون أنفسهم في عبادة الله، وهم على الباطل، فيتعبون في الدنيا ويعذبون في الآخرة، وذكروا في ذلك أثراً عن عمر رضي الله عنه في أنه رأى راهباً فبكى، وقال : ذكرت قول الله :﴿عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية﴾، والأثر فيه انقطاع، ولو صح، فإنه يكون تفسيراً قياسياً، لا أن المراد بالآية هذا الراهب وجنسه فقط، بل هي في جميع الكفار، والله أعلم.
... وقد أورد البخاري عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أنهم النصارى، وفي رواية غير البخاري، اليهود، وهو محمول على ما ذكرت، أو أنه أشار إلى قوم من الذين يعملون وينصبون في الآخرة في النار، فيكون تفسيراً بالمثال، والله أعلم.
... وقد ذكر ابن تيمية هذين القولين، وقال :"... والقول الثاني : أن المعنى أنها يوم القيامة تخشع ؛ أي : تذل وتعمل وتنصب. قلت : هذا هو الحق لوجوه". ثم ذكر هذه الوجوه، ومنها :"أنه على هذا التقدير يتعلق الظرف بما يليه ؛ أي : وجوه يوم الغاشية خاشعة عاملة ناصبة صالية، وعلى الأول لا يتعلق إلا بقوله :"تصلى"، ويكون قوله :"خاشعة" صفة للوجوه، قد فصل بين الصفة والموصوف بأجنبي متعلق بصفة أخرى متأخرة، والتقدير : وجوه خاشعة عاملة ناصبة يومئذ تصلى ناراً حامية، والتقديم والتأخير على خلاف الأصل، فالأصل إقرار الكلام على نظمه وترتيبه، لا تغيير ترتيبة.
... ثم إنما يجوز فيه التقديم والتأخير مع القرينة، أما من اللبس فلا يجوز ؛ لأنه يلتبس على المخاطب، ومعلوم أنه ليس هنا قرينة تدل على التقديم والتأخير، بل القرينة تدل على خلاف ذلك، فإرادة التقديم والتأخير بمثل هذا الخطاب خلاف البيان، أمر المخاطب بفهمه تكليف لما يطاق...". (انظر الوجوه الأخرى في دقائق التفسير : ٥/١٢٣ – ١٢٤).
( )... كذا فسر السلف : ابن عباس من طريق العوفي، والحسن من طريق أبي رجاء ومعمر، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد.
... وفسرها ابن زيد، فقال : آنية : حاضرة، وقد ورد عن مجاهد من الطريق السابق تفسيره :"قد بلغت إناها، وحان شربها"، وعلى هذا فتفتسيرها بحاضرة تفسير بلازم المعنى ؛ لأنها إنما بلغت إناها لكي يشربها هؤلاء الكفار، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon