٤- قوله تعالى :﴿لقد خلقنا الإنسان في كبد﴾ : هذا جواب القسم، والمعنى : أن الله أوجد الإنسان وأخرجه وهو يكابد أحوال الدنيا ومشقاتها ومصاعبها، فهو يخرج من تعب فيها إلى تعب، كما قال تعالى :﴿لتركبن طبقا على طبق﴾ [الانشقاق : ١٩] على أحد التفسيرات فيها(١)

(١)... وغير جائز أن يخص ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل، ولا خبر بخصوص ذلك، ولا برهان يجب التسليم له بخصوصه، فهو على عمومه كما عمه ".
... ولم يضعف الطبري قول من فسر" ولم يلد" بالعاقر، ويظهر أن سبب هذا الخلاف : أن هذا التركيب مشترك بين النفي والإثبات ؛ أي أن "ما" يحتمل أن تكون نافية، فيكون المعنى على العاقر، ويحتمل أن تكون مثبتة، فيكون المعنى على المولود، وهذا من اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من معنى، والله أعلم.
( )... ورد في تفسر الكبد أقوال :
... الأول : لقد خلقنا الإنسان في شدة ونصب وعناء، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، والحسن من طريق منصور بن زاذان، وقتادة من طريق سعيد ومعمر، وسعيد أخو الحسن البصري، وعكرمة من طريق النضر، وسعيد بن جبر من طريق عطاء، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح.
... الثاني : خلقناه منصباً معتدل القامة، وهذا قول ابن عباس من طريق العوفي، وعكرمة من طريق عمارة، وإبراهيم النخعي من طريق منصور، وعبد الله بن شداد وأبي صالح من طريق إسماعيل بن أبي خالد، والضحاك من طريق عبيد.
... الثالث : الكبد : السماء، والمعنى، لقد خلقنا آدم في السماء، وهو قول ابن زيد.
... قال الطبي :"وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك أنه خلق يكابد الأمور ويعالجها، فقوله :﴿في كبد﴾ معناه : في شدة، وإنما قلنا : ذلك أولى بالصواب ؛ لأن ذلك المعروف في كلام العرب من معاني : في شدة، وإنما قلنا : ذلك أولى بالصواب ؛ لأن ذلك المعروف في كلام العرب من معاني الكبد، ومنه قول لبيد بن ربيعة :
... عين هلا بكيت أربد إذ... قمنا وقام الخصوم في كبد "
... ويظهر أن سبب هذا الاختلاف أن لفظ "كبد" مشترك لغوي بين هذه المعاني، فذكر كل واحد منهم أحد هذه المعاني التي يراها مناسبة لتفسير الكبد في الآية، مع ملاحظة أن ما ورد عن ابن زيد لم يرد في كتب اللغة، والوارد إضافة الكبد إلى السماء ؛ فيقال : كبد السماء، أي : وسطها، أما تفسير الكبد بالسماء، فهل يحكي لغة في الكبد ؟!
... وما رجحه ابن جرير الطبري هو المعنى المشهور من اللفظة، وهو المناسب لمعنى الآية، ويكون الكبد بالنسبة للإنسان على نوعين :..................... =


الصفحة التالية
Icon