... ٨- قوله تعالى :﴿فألهمها فجورها وتقواها﴾ ؛ أي : خلق النفس مستوية، فألقى فيها علماً من غير تعليم، ألقى فيها ما ينبغي لها أن تأتي من خير وتدع من شر(١).
... ٩-١٠- قوله تعالى :﴿قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها﴾ : هذا جواب الأقسام الماضية(٢)، والمعنى : قد نال الظفر والفوز من طهر نفسه من المعاصي، وأصلحها بالأعمال الصالحة(٣)

(١)... الإلهام يطلق إطلاقاً خاصاً على حدوث علم في النفس بدون تعليم ولا تجربة ولا تفكير، فهو علم يحصل من غير دليل، قال الراغب : الإلهام : إيقاع الشيء في الروع، ويختص ذلك بما كان من جهة الله تعالى الملأ الأعلى اهـ.
... ولذلك، فهذا اللفظ إن لم يكن من مبتكرات القرآن، فهو مما أحياه القرآن ؛ لأنه اسم دقيق الدلالة على المعاني النفسية، وقليل رواج أمثال ذلك في اللغة قبل الإسلام، لقلة خطور مثل تلك المعاني في مخاطبات عامة العرب. (انظر : التحرير والتنوير، بتصرف).
... وقد عبر السلف عن معاني الإلهام بمعان متقاربة، وهي : بين، وأعلم، وقد ورد ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد، والضحاك من طريق عبيد، وسفيان الثوري من طريق مهران.
... وفسر ابن زيد ذلك بقوله :"جعل فيها فجورها وتقواها"، هذا تفسير معنى ؛ لأنه لما كان أعلمها، فقد جعله فيها.
... وفسر الفجور والتقوى بالخير والشر، أو المعصية والطاعة، وهما سواء، والله أعلم.
(٢)... قال قتادة من طريق سعيد :"وقد وقع القسم هاهنا (قد أفلح من زكاها} ".
(٣)... ورد ذلك التفسير عن : مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة من طريق خصيف، وقتادة من طريق سعيد ومعمر، ويشهد لهذا التفسير أن طريقة القرآن تعليق الفلاح على فعل العبد واختياره، وهذا نظير قوله تعالى :﴿قد أفلح من تزكى﴾ [الأعلى : ١٤].
... وورد عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، وعن ابن زيد :"قد أفلح من زكى الله نفسه"، ويشهد لهذا التفسير ما روى عن النبي صلى الله علهي وسلم، قال :"اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها". وسبب الاختلاف مفسر الضمير، فهو يحتمل أن يعود على العبد، وعلى الرب سبحانه، وهو من قبيل المتواطئ، والخلاف من قبيل اختلاف التنوع الذي يرع إلى أكثر من قول، وبين هذين القولين تلازم من جهة، وذلك أن من زكى الله، ومن زكاه الله، فقد زكت نفسه، ، الله أعلم.


الصفحة التالية
Icon