... ثبت في الصحيحين عن جندب بن عبد الله البجلي، قال : دميت أصبع رسول الله ﷺ، فاشتكى، فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً، فجاءت امرأة – وهي أم جميل بنت حرب، زوج أبي لهب -، فقالت : يا محمد، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث، فأنزل الله :﴿والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى﴾، وحكي غير هذا السبب، وكلها في تأخر نزول الوحي عنه ﷺ، وادعاء المشركين أن ربه قد تركه وقلاه.
... ١-٢- قوله تعالى :﴿والضحى * والليل إذا سجى﴾ : يقسم ربنا بأول ساعات النهار، وهو الضحى(١)، وبالليل إذا أقبل بظلامه وسكن(٢)

(١)... سبق ذكر الخلاف في الضحى عند أول سورة الشمس.
(٢)... اختلف السلف في تفسير سجى على أقوال :
... الأول : إذا استوى وسكن، وهو قول مجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد، والضحاك من طري عبيد، وابن زيد.
... الثاني : إذا أقبل، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، والحسن من طريق معمر.
... والثالث : إذا ذهب، وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة.
... قال الطبري :"وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك، قول من قال : معناه : والليل إذا سكن بأهله، وثبت بظلامه ؛ كما يقال : بحر ساج : إذا كان سكاناً، ومنه قول أعشى بني ثعلبة :
... فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم... وبحرك ساج ما يواري الدعامصا
وقول الراجز :
......... يا حبذا القمراء والليل الساج
......... وطرق مثل ملاء النساج "
والقولان الأول والثاني يرجعان إلى دلالتين في "سجى" الأولى : السكون، والثانية التغطية، ومنه تسجية الميت أي تغطيته، وعلى تفسير الحسن، قال "إذا لبس الناس، إذا جاء"، ومن ثم يكون الخلاف راجعاً إلى أكثر من معنى بسبب الاشتراك اللغوي في هذه اللفظ.
أما تفسير ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، فلم أجده مذكوراً في كتب اللغة، وواضح أنه تفسير لغوي، وإذا فسر به صار اللفظ من الأضداد ؛ لأن أقبل بظلامه وذهب ضدان، ويبقى أن سبب الاختلاف الاشتراك اللغوي في معنى اللفظ، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon