... ٦- قوله تعالى :﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون﴾ ؛ أي : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، الذين شكروا الله على هذا التقويم الحسن بعبادته، فإنهم لا يردون إلى أسفل سافلين : النار(١)

(١)... اختلف السلف في تفسير هذه الجملة بناء على اختلافهم في سابقتها، ولهم في ذلك أقوال :
أن الذين آمنوا إذا هرموا يكتب لهم ما كانوا يعملونه في حال الصحة وهذا تفسير ابن عباس من طريق عكرمة والعوفي، وإبراهيم النخعي من طريق حماد، وقتادة من طريق معمر.
وفسر بعضهم : أنهم لا يؤاخذون بما عملوا في حال الهرم، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق أبي رزين، وعكرمة من طريق أبي رجاء والحكم.
ورد عن مجاهد والحسن : إلا الذين آمنوا لا يردون إلى النار.
وقد ناقش ابن القيم هذه الأقوال، واختار أن أسفل سافلين : النار، وأطال في هذا، أنا أنقله لك بطوله لفائدته، والله الموفق.
قال ابن القيم " ثم لما كان الناس في الإجابة لهذه الدعوة فريقين : منهم من أجاب، ومنهم من أبى، وذكر حال الفريقين، فذكر حال الأكثرين، وهم المردودون إلى أسفل سافلين، والصحيح أنه النار، قال مجاهد والحسن وأبو العالية................... =
=... قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هي النار، بعضها أسفل من بعض.
... وقال طائفة، منهم قادة، وعكرمة، والكلبي، وإبراهيم : أنه أرذل العمر، وهو مروي عن ابن عباس.
... والصواب القول الأول ؛ لوجوه :
... أحدها : أن أرذل العمر لا يسمى أسفل السافلين، لا في لغة، ولا عرف. وإنما أسفل سافلين هو سجين، الذي هو مكان الفجار، كما أن علين مكان الأبرار.
... الثاني : أن المردودين إلى أرذل العمر بالنسبة إلى نوع الإنسان قليل جداً، فأكثرهم يموت ولا يرد إلى أرذل العمر.
... الثالث : أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستوون هم وغيرهم في رد من طال عمره منهم إلى أرذل العمر. فليس ذلك مختصاً بالكفار، حتى يستثني منه المؤمنين.
... الرابع : أن الله سبحانه لما أدرك ذلك لم يخصه بالكفار، بل جعله الجنس بني آدم، فقال :﴿ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا﴾ [الحج : ٥]، فجعلهم قسمين : قسماً متوفى قبل الكبر، وقسماً مردوداً إلى أرذل العمر، ولم يسمه أسفل سافلين.
... الخامس : أنه لا تحسن المقابلة بين أرذل العمر وبين جزاء المؤمنين. وهو سبحانه قابل بين جزاء هؤلاء وجزاء أهل الإيمان، فجعل جزاء الكفار أسفل سافلين، وجزاء المؤمنين أجراً غير ممنون.
... السادس : أن قول من فسر بأرذل العمر يستلزم خلو الآية عن جزاء الكفار وعاقبته أمرهم، ويستلزم تفسيرها بأمر محسوس، فيكون قد ترك الإخبار عن المقصود الأهم، وأخبر عن أمر يعرف بالحس والمشاهدة، وف ذلك هضم لمعنى الآية، وتقصير بها عن المعنى اللائق بها.
... السابع : أنه سبحانه ذكر حال الإنسان في بدئه ومعاده، فمبدؤه : خلقه في أحسن تقويم، ومعاده. رده إلى أسفل سافلين أو إلى أجر غير منون. وهذا مواقف لطريقة القرءان وعادته في ذكر مبدأ العبد ومعاده، فما لأرذل العمر وهذا المعنى المطلوب المقصود إثباته والاستدلال عليه ؟
... الثامن : أن أرباب القول الأول مضطرون إلى مخالفة الحس، وإخراج الكلام عن ظاهره، والتكليف البعيد له.
... فإنهم إن قالوا : إن الذي يرد إلى أرذل العمر هم الكفار دون المؤمنين، كابروا الحس.
... وإن قالوا : من النوعين من يرد إلى أرذل العمر احتاجوا إلى التكليف لصحة الاستثناء، فمنهم من قدر ذلك بأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا تبطل أعمالهم إذا ردوا إلى أرذل العمر، بل تجري عليهم أعمالهم التي كانوا يعملونها في الصحة.
... فهذا، وإن كان حقاً، فإن الاستثناء إنما وقع من الرد لا من الأجر والعمل.
ولما علم أرباب هذا القول ما فيه من التكلف، حض بعضهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقراءة القرءان لا يرد إلى أرذل العمر...................... =


الصفحة التالية
Icon