ولو أخذتَ مجموعةَ آياتٍ، وقرأتها في عددٍ من التَّفاسيرِ، فإنك ستجدُ اتِّفاقَها في المعلومات المتعلِّقةِ بالبيانِ، وإن اختلفت في طريقةِ عرضِها لها، وفي تحديدِ الوجه المرادِ بالآيةِ، وطريقتها في التَّرجيحِ.
ثمَّ ستجدُ أنَّ كلَّ تفسيرٍ يتميَّزُ بمعلوماتٍ لا تَجدُها عند الآخرِ، وهذه المعلومات لا حصرَ لها، فقد تكونُ في علم اللُّغةِ، أو علمِ النَّحوِ، أو علم الصَّرفِ، أو علمِ البلاغةِ، أو علمِ الفقهِ، أو علم الحديثِ، أو علومٍ أخرى.
كما ستجدُ تميُّزًا في ذكرِ بعضِ فوائدِ الآي والاستنباطِ منها، فقد يذكر بعضهم فوائدَ مستنبطةً لا يشيرُ إليها غيرُه، كقول ابن كثيرٍ (ت: ٧٧٤) في تفسير قوله تعالى: (كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) [عبس: ١٦]، قال: ((وقوله: ( كِرَامٍ بَرَرَة ٍ ) [عبس: ١٦]، أي: خُلُقُهم كريمٌ حَسَنٌ شريفٌ، وأخلاقهم وأفعالُهم بارَّةٌ طاهرةٌ كاملةٌ [يعني: الملائكة]. ومن ها هنا ينبغي لحامل القرآنِ أن يكونَ في أفعالِه وأقوالِه على السَّدادِ والرَّشادِ)) (١).
ولمَّا كان المقصدُ من التَّعريفِ تحريرُ المرادِ بالعلمِ، كانَ ما ذكرتُ لكَ من نقدِ بعضِ التَّعريفاتِ، أمَّا ما سلكه بعضُ العلماءِ من منهجٍ في كتابةِ تفاسيرِهم، فهذا لا يوجَّهُ إليه النَّقدُ من هذه الجِهةِ، لأنه أرادَ أن يكونَ في تفسيرِه مثلُ هذه المعلوماتِ الفقهيَّةِ أو النَّحويَّةِ أو الأصوليَّةِ أو غيرِها، لكن إن جُعلتْ هذه المعلوماتُ التي هي خارجةٌ عن حدِّ البيانِ من صلبِ التَّفسيرِ، فها هنا يكونُ النِّقاشُ وتحريرُ المرادِ بمصطلحِ التَّفسيرِ.
والمصطلحُ الذي ذكرتُه بضابطِه – وهو بيانُ القرآنِ – أقربُ إلى منهجِ تفسير السَّلفِ، إذ لا تجدُ عندهم في تفاسيرِهم تلك الاستطراداتُ التي عند المتأخِّرينَ.

(١) تفسير ابن كثير، تحقيق: سامي السلامة (٨: ٣٢١).


الصفحة التالية
Icon