لإيلاف قريش * إلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البت * الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف.
سورة قريش
... ١-٢- قوله تعالى :﴿لإيلاف قريش * إلالفهم رحلة الشتاء والصيف﴾ ؛ أي : لتعبد قريش رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، لأجل نعمته عليهم بإيلافهم رحلة الشتاء إلى اليمن، والصيف إلى الشام(١)، أي : ما ألفوه واعتادوه من اجتماعهم(٢) في رحلتهم للشام واليمن من أجل التجارة، وقدم ذكر الإيلاف للاهتمام به(٣)

(١)... هذا المشهور في رحلة الشتاء والصيف، وقد ورد قول غريب عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير، قال ك طكانوا يشتون بمكة، ويصيفون بالطائف".
(٢)... الإيلاف : إما أن يكون من الإلف، وهو الاعتياد على الشيء، وإما أن يكون من الإتئلاف، وهو الاجتماع.
(٣)... اختلفوا في هذه اللام التي في قوله تعالى :﴿لإيلاف﴾ على أقوال :
... الأول : أنها متعلقة بقوله :﴿فليعبدوا﴾، أي : ليعبدوا الله، لأجل نعمته عليهم بالإيلاف. ويشير إلى هذا الارتباط ما رواه عكرمة عن ابن عباس، قال :"أمروا أن يألفوا عبادة رب هذا البيت، كإلفهم رحلة الشتاء والصيف"، والله أعلم.
... الثاني : أنها متعلقة بسورة الفيل، والمعنى : جعلت أصحاب الفيل كعصف مأكول، لإلفة قريش، فلا أفرق إلفهم وجماعتهم، التي جاء أصحاب الفيل لتفريق جماعتهم وهدم كعبتهم التي يجتمع إليها الناس، وهذا قول ابن زيد، وقد نسبه الطبري لابن عباس ومجاهد وفسروا :"لإيلاف" : نعمتي على قريش، ولم يظهر لي من نصوصهم أنهم يرون تعلق اللام بالسورة التي قبلها والله أعلم.
... والثالث : أنها متعلقة بفعل التعجب المحذوف، والتقدير : اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، وهو اختيار الطبري، واستدل له بفعل العرب، فقال :"والعرب إذا جاءت بهذه اللام، فأدخلوها في الكلام للتعجب اكتفوا بها دليلاً على التعجب من إظهار الفعل الذي يجلبها، كما قال الشاعر :
... أغراك أن قالوا لقرة شاعراً...... فيا لأباه من عريف وشاعر
فاكتفى باللام دليلا على التعجب من إظهار الفعل، وإنما الكلام : أغرك أن قالوا : أعجبوا القرة شاعراً فكذلك قوله :﴿لإيلف﴾ ".
أما القول بارتباطها بسورة الفيل ففيه نظر من جهة انفصال كل سورة عن أختها، قال الطبري :"وأما القول الذي قاله من حكينا قوله أنه من صلة ﴿فجعلهم كعصف مأكول﴾، فإن ذلك لو كان كذلك، لوجب أن يكون "لإيلاف" بعض "ألم تر"، وأن لا تكون السورة منفصلة من "ألم تر".
وفي إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامتان، كل واحدة منهما منفصلة عن الأخرى، ما يبين فساد القول الذي قاله من قال ذلك. ولو كان قوله ك ﴿لإيلاف قريش﴾ ؛ من صلة :﴿فجعلهم كعصف مأكول﴾، ولم تكن ﴿ألم تر﴾ تأمة حتى توصل بقوله :﴿لإيلاف قريش﴾، لأن الكلام لا يتم إلا بانقضاء الخبر الذي ذكر ".


الصفحة التالية
Icon