. ثم أمره الله بأن يؤدي شكر هذه النعمة بأن تكون الصلاة والذبح له سبحانه، لا كما يفعل المشركون الذين يذبحون للأصنام(١).
ثم أخبره أن مبغضه هو المنقطع عن كل خير، بخلاف أنت فيما أعطاك الله من الخير(٢)

(١)... اختلف السلف في المراد بقوله تعالى :﴿وأنحر﴾ على أقوال :
... الأول : أذبح لله، ورد ذلك عن أنس بن مالك من طريق جابر، وابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وعكرمة من طريق جابر وثابت بن أبي صفية، والربيع بن أنس من طريق أبي جعفر، وعطاء بن أبي رباح من طريق فطر بن خليفة، والحسن من طريق نجيح، ومحمد بن كعب القرظي من طريق =
(٢)... أبي صخر، وسعيد بن جبير من طرق أبي معاوية البجلي، وابن زيد، وبينهم في المراد بما نزلت فيه الآية اختلاف، فقيل : في ذبح يوم النحر، وقيل : في عموم الذبح، وقيل : في ذبح الهدي يوم الحديبية، وهذا الاختلاف لا يخرج معنى النحر عن الذبح، والأولى العموم، وأن تكون الأقوال الأخرى داخلة فيه على سبيل الأمثلة لهذا العموم ؛ لأنه مأمور أن تكون ذبيحته لله في كل حال، كما قال تعالى :﴿قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين﴾ [الأنعام : ١٦٢].
... الثاني : ضع يدك اليمين على الشمال، ثم ضعها على صدرك في الصلاة، وهو قول علي بن أبي طالب من طريق عقبة بن ظبيان (ويقال : ظهير، انظر : الجرح والتعديل) عن أبيه، (قال عنه ابن كثير : ولا يصح)، وعن أبي القموص زيد بن علي من طريق عوف.
... الثالث : أرفع يدك إلى نحرك عند الدخول في الصلاة، ورد ذلك عن أبي جعفر الباقر من طريق جابر.
... وقد ذكر الطبري قولاً لبعض أهل العربية، وهو الفراء، أن المعنى :"استقبل القبلة بنحرك"، واستدل الفراء بما سمعه من بعض العرب، يقول :"منازلهم متناحرة" ؛ أي : هذا بنحر هذا ؛ أي : قبالته، وببيت من الشعر ذكره
... والقل هو الصحيح ؛ لأنه المشهور من معنى اللفظ، ومنه يوم النحر، ونحر البدن، وغيرها، قال الطبري :"وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال : معنى ذلك : فاجعل صلاتك كلها لربك خالصاً د ما سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك نحرك أجعله له دون الأوثان، شكراً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له، وخصك به من إعطائه إياك الكوثر.
... وإنما قلت : ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك ؛ لأن الله جل ثناؤه أبخر نبيه ﷺ بما أكرمه به من عطيته وكرامته وإنعامه عليه بالكوثر، ثم أتبع ذلك قوله :﴿فصل لربك وأنحر﴾، فكان معلوماً بذلك أنه خصه بالصلاة له والنحر على الشكر له على ما أعلمه من النعمة التي أنعمها عليه بإعطائه إياه الكوثر، فلم يكن لخصوص بعض الصلاة بذلك دون بعض، وبعض النحر دون بعض وجه، إذا كان حثا على الشكر على النعم.
... فتأويل الكلام إذن : إنا أعطينك يا محمد الكوثر، إنعاماً منا عليك به، وتكرمة منا لك، فأخلص لربك العبادة، وأفرد له صلاتك ونسكك، خلافاَ لما يفعله من كفر به، وعبد غيره، ونحر للأوثان".
... وقال ابن كثير عن الأقوال الأخرى :"كل هذه الأقوال ريبة، والصحيح القول الأول، أن المراد بالنحر ذب النسائك...".
( )... اختلف السلف في من نزلت هذه الآيات على أقوال :
... الأول : نزلت في العاص بن وائل السهمي، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، وسعيد بن جبير من طريق هلال بن خباب، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق معمر وسعيد......................... =
=... الثاني : نزلت في عقبة بن أبي معيط، ورد ذلك عن شمر بن عطية.
... الثالث : نزلت في جماعة من قريش، وورد ذلك عن عكرمة.
... قال الطبري :"وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أبخر أن مبغض رسول الله ﷺ هو الأقل الأذل المنقطع عقبه، فذلك صفة كل من أبغضه من الناس، وإن كانت الآية نزلت في شخص بعينه ".
... ومراد الإمام هنا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويكون السبب المذكور مثالاً لذلك العموم في اللفظ، وهذا هو الصواب، وهو حمل هذه النزولات المذكورة على التمثيل، وإبقاء اللفظ على عمومه، فيدخل فيه كل من أبغض النبي ﷺ إلى يوم القيامة، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon