... هذا دعاء بالهلاك والخسران على عم الرسول ﷺ المكني بأبي لهب، وقد حصل له هذا، ذلك جزاء قوله للنبي ﷺ "تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا(١)؟".
... ثم خبر الله أن مال أب لهب وولده لا ينفعونه ولا يردون عنه عذاب الله(٢)، وأنه سيدخل ناراً تتوقد تشويه بحرها، وأنه ستدخل معه زوجه أم جميل التي كانت تؤذي رسول الله ﷺ بحمل الخطب الذي فيه الشوك فتلقيه في طريقه(٣)، وقد جعل الله في عنقها حبلاً مجدولاً ومفتولاً من ليف أو غيره، يكون عليها كالقلادة التي توضع على العنق(٤)

(١)... هذه الجملة :﴿تبت يدا أبي لهب﴾ دعاء على أبي لهب، وإسناد لتباب لليدين، كإسناد العمل لهما في مثل قوله تعالى :﴿ذلك بما قدمت يداك﴾، والمراد : خسر أبو لهب بسبب عمله الذي عمله مع النبي ﷺ.
... وجملة :﴿وتب﴾ جملة خبرية ؛ أي : وقد حصل له التباب.
(٢)... تفسير قوله تعالى: ﴿وما كسب﴾ : وما ولد، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق أبي الطفيل ورجل من بني مخزوم، ومجاهد من طريق ليث وابن أبي نجيح. ونسبه ابن كثير إلى عائشة وعطاء والحسن وابن سرين.
(٣)... اختلف السلف في تفسير "حمالة الخطب" : على أقوال :
... الأول : أنها تحمل الشوك فتلقيه في طريق رسول الله ﷺ، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق العوفي، ويزيد بن زيد الهمداني، وعطية الجدلي العوفي، والضحاك من طريق عبيد، وابن زيد.
... الثاني : أنها كانت تمشي بالنميمة، وهو قول عكرمة من طريق محمد، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح ومنصور، وقتادة من طريق سعيد ومعمر، وسفيان الثوري من طريق مهران....... =
(٤)... وحكى الطبري : أنها كانت تحطب (أي : تجمع الحطب)، فعيرت بذلك، ولم ينسبه، وهو مخالف لحال أم جميل : غناها وشرفها، والله أعلم.
... قال الطبري :"وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال : كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريق رسول الله ﷺ ؛ لأن ذلك هو أظهر معنى ذلك ".
... وفسر السلف الحطب بالشوك ؛ لأنها كانت تحمل أغصان الشوك، وهي الحطب، فتلقيها في طريق الرسول ﷺ لتأذيه بها، والله أعلم.
... وقد فسر ابن كثير الآية على أنه في الآخرة فقال :"... وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده، فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم، ولهذا قال :﴿وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد﴾ ؛ يعني تحمل الحطب فتلقيه على زوجها، ليزداد على ما هو فيه، وهي مهيأة لذلك مستعدة له". وهذا الفهم لم يرد عن السلف، بل حملوا حملها الحطب على أنه وصف لها في الدنيا، وليس هنا ما يدعو إلى هذا الفهم الذي فهمه ابن كثير، والله أعلم.
( )... ورد في تفسير المسد أقوال عن السلف :
... الأول : حبال من الشجر تكون بمكة، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق العوفي، والضحاك من طريق عبيد، وابن زيد. ويظهر أن المراد بهذه الحبال الليف.
... الثاني : المسد سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً، وهو قول عروة من طريق يزيد وسفيان الثوري، وقال :"حبل في عنقها من النار، طوله سبعون ذراعاً ".
... وهذا التحديد يحتاج إلى قول المعصوم في خبره، وليس في هذه الآثار ما يدل على نقله عنه، وكون المسد يكون من الحديد صحيح، أما هذا التحديد فيتوقف فيه، والله أعلم.
... الثالث : الحديد الذي يكون في البكرة، ورد عن مجاهد من طريق منصور وابن أبي نجيح، من طريق الأعمش، لكن لم يذكر البكرة، وعكرمة من طريق محمد.
... الرابع : قلادة من ودع في عنقها، ورد ذلك عن قتادة، ويحتمل أنه أراد أنه من صفتها في الدنيا؛ لأنه قال :"قلادة من ودع"، ولم يحدد زمن لبسها. والله أعلم.
... قال الطبري :"وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال : هو حبل جمع من أنواع مختلفة، ولذلك اختلف أهل التأويل في تأويله على النحو الذي ذكرنا، ومما يدل على صحة ما قلنا في ذلك قول الراجز :
......... ومسد أمر من أيانق
......... صهب عتاق ذات مخ زاهق
... فجعل إمراره من شتى، وكذلك المسد الذي في جيد امرأة أبي لهب، أمر من أشياء شتى : من ليف وحديد ولحاء، وجعل في عنقها طوقاً كالقلادة من ودع ؛ ومنه قول الأعشى :...... =
...... تمسى فيصرف بآبها من دونها...... غلقاً صريف محالة الأمساد
... يعني بالامساد : جمع مسد، وهي الحبال ".
... والمسد في اللغة يطلق على معان ؛ منها :
المسد : الفتل والجدل، وممسود ؛ أي : مجدول من ليف و غيره، ومنه قول من قال : حبل من شجر بمكة، أو من ليف، وكذا من قل : سلسلة ؛ لأنها تكون مجدولة في الغالب، والله أعلم.
المسد : المحور من الحديد، أو البكرة التي يلتف عليها حبل الدلو، وهو تفسير مجاهد وعكرمة، وعليه يحمل قول قتادة ؛ كأنه شبه القلادة في جيدها بالبكرة التي تكون من حديد الذي يكون عليه حبل الدلو، ويوضح ذلك ما نسبه ابن كثير لمجاهد، قال :"أي : طوق حديد، ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسداً.
كما يحتمل أن يكون قول قتادة قولاً مستقلا، ويكون معنى آخر من معاني المسد، ومن ثم يكون الاختلاف عائداً إلى أكثر من معنى بسبب الاشتراك اللغوي، وهما معنيان متحملان، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon