فقامَ أبو أيوبَ، فقال: أيُّها النَّاس، إنَّكم تتأوَّلون هذه الآية هذا التَّأويلَ، وإنما أنزلت هذه الآيةُ فينا معشرَ الأنصارِ لما أعزَّ اللهُ الإسلامَ، وكَثُرَ ناصروه، فقال بعضنا لبعضٍ سرًّا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أموالنا قد ضاعت، وإنَّ الله قد أعزَّ الإسلامَ، وكَثُرَ ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها.
فأنزل اللهُ على نبيِّه ﷺ يردُّ علينا ما قلنا ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة: ١٩٥]، فكانت التَّهلُكةُ الإقامةَ على الأموالِ وإصلاحِها، وترْكَنا الغَزْوَ)) (١).
ومنه قول الشَّافعيِّ (ت: ٢٠٤) في أكثر من موطن من كتاب الأمِّ: ((وذلك _والله أعلمُ_ بيِّنٌ في التَّنْزيل، مُستغنًى به عن التَّأويل...)) (٢).
وفي قوله: ( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ) [البقرة: ١٣٠]، قال الأخفشُ (ت: ٢١٥): ((فزعم أهلُ التّأويلِ أنَّه في معنى: سفَّهَ نفسَه)) (٣).
وقال ابن الأعرابيِّ (ت: ٢٣١): ((التَّفسيرُ والتَّأويلُ والمعنى واحدٌ)) (٤).
وأسندَ النَّحَّاسُ (ت: ٣٣٨) إلى أحمد بن حنبل (ت: ٢٤٢)، قال: ((بمصر كتابُ التَّأويلِ عن معاويةَ بنِ صالحٍ، لو جاء رجلٌ إلى مصرَ، فكتبهُ، ثمَّ انصرفَ به، ما كانت رحلتُه عندي ذهبت باطلاً)) (٥).
(٢) كتاب الأمِّ (٧: ٣١٩)، وينظر: (٢: ٢٨)، (٤: ٢٤٢).
(٣) معاني القرآن، للأخفش، تحقيق: هدى قراعة (١: ١٥٧).
(٤) تهذيب اللغةِ (١٢: ٤٠٧).
(٥) الناسخ والمنسوخ، للنحاس، تحقيق: الدكتور سليمان اللاحم (١: ٤٦٢)، وهذا الكتاب هو رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.