وهذا المثال من التأويل المذموم الذي هو باسم الانحراف أولى، فتراه صرف اللفظ عن معناه الظاهر، إلى معنى آخر، لأجل أنه يعتقد أنَّ الله لا يُرى يوم القيامةِ، وهذا الاعتقاد باطلٌ، لذا فإنَّ التأويل الذي ذكره الأخفش (ت: ٢١٥) سيكون باطلاً، وهذا التأويل المنحرف مما لا يوافق عليه، لأنَّ فيه سلبًا لمعاني القرآن، وإخراجًا لها عن ظاهرها بلا حجَّةٍ.
وقد ردَّ الأزهريُّ (ت: ٣٧٠) ما فسَّرَ به الأخفشُ (ت: ٢١٥)، فقال: ((ومنْ قالَ: إنَّ معنى قولِه: ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) [القيامة: ٢٣]، بمعنى: مُنْتَظِرَة، فقد أخطأ، لأنَّ العربَ لا تقولُ: نَظَرْتُ إلى الشيءِ، بمعنى: انْتَظَرْتُهُ، إنما تقولُ: نَظَرْتُ فلانًا، أي: انْتَظَرْتُهُ، ومنه قولُ الحطيئةِ(١):
وَقَدْ نَظَرْتُكُمْ أَبْنَاءَ صَادِرَةٍ لِلْوِرْدِ طَالَ بِهَا حَوزِي وَتَنْسَاسِي
فإذا قلتَ: نَظَرتُ إليه، لمْ يكنْ إلاَّ بالعينِ. وإذا قلتَ: نَظَرْتُ في الأمرِ، احتملَ أنْ يكونَ تَفَكُّرًا وَتَدَبُّرًا بالقلبِ)) (٢).
هل للتأويل بالمصطلح الحادث حدٌّ يقف عنده؟
التَّأويل بالمصطلح الحادث لا حدَّ له، لأنَّ معتمدَه العقلُ، والعقولُ تختلفُ في مذاهبِها، وطريقتِها في فهم نصوصِ الشَّرعِ، فما لم يكن سائغًا تأويلُه عند قومٍ، هو عند غيرِهم صالحُ لأن يؤوَّلَ، لأنه جارٍ على القواعدِ العقليةِ التي سارَ عليها ذلك المؤوِّلُ الذي رفضَ التَّأويلَ في هذا الموضعِ، ولا تكادُ تجدُ ضابطًا يبيِّنُ سببَ الرَّفضِ، سوى احتمالاتٍ لا تقومُ على علمٍ، ومن أمثلةِ ذلك:
تحدَّث ابن عطيَّةَ (ت: ٥٤٢) عن الميزان في قوله تعالى: ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [الأعراف: ٨]، وذكر مذهبين في المرادِ بالميزانِ:
الأوَّلُ أنه مجازٌ استعيرَ به اللَّفظُ للعدلِ.

(١) البيت في ديوانه (ص: ٤٦).
(٢) تهذيب اللغة (١٤: ٣٧١).


الصفحة التالية
Icon