وقد اعتمدَ على مبدأ التَّأويلِ الفاسدِ فيلسوفٌ من الفلاسفةِ الذين عاشوا في ظلِّ الإسلامِ، وهو الفيلسوفُ ابن رُشدٍ الحفيد، فقد ذكرَ في كتابه ((فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال)) أنَّ الشَّريعةَ على ثلاثةِ أقسامٍ:
ظاهرٌ لا يجوزُ تأويله...
وظاهرٌ يجبُ على أهلِ البرهانِ تأويلُه، وحملهم إياه على ظاهره كفرٌ، وتأويل غير أهل البرهانِ له، وإخراجه عن ظاهره كفرٌ في حقِّهم أو بدعة، ومن هذا الصِّنفِ آيةُ الاستواء وحديث النُّزول...
والصِّنف الثَّالث من الشَّرع متردِدٌ بين هذين الصنفينِ، يقع فيه شكٌ، فيلحقُه قومٌ ممن يتعاطى النظر بالظاهر الذي لا يجوزُ تأويله، ويلحقه آخرونَ بالباطنِ الذي لا يجوزُ حمله على الظاهرِ(١).
ثمَّ قال: ((فإن قيل: فإذا تبين أن الشَّرع في هذا على ثلاث مراتب، فمن أي المراتبِ الثلاثِ هو عندكم ما جاء في صفات المعاد وأحواله؟.
فنقول: إنَّ هذه المسألة الأمر فيها بيِّنٌ أنها من الصِّنفِ المختلَفِ فيه، وذلك أنَّا نرى قومًا ينسبون أنفسهم إلى البرهان يقولون: إنَّ الواجبَ حملُها على ظاهرِها، إذ كان ليس هناك برهان يؤدي إلى استحالة الظَّاهر فيها، وهذه طريقة الأشعريَّة.
وقوم آخرون ممن يتعاطون البرهان(٢) يتأوَّلونها، وهؤلاء يختلفون في تأويلها اختلافًا كثيرًا، وفي هذا الصِّنف أبو حامد(٣) معدودٌ هو وكثيرٌ من المتصوِّفة)) (٤).

(١) ينظر: فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، لابن رشد (ص: ٢٧- ٢٨).
(٢) يقصدُ بالبرهان: الطرق الفلسفيَّةِ التي يعتمدُها.
(٣) هو الغزالي.
(٤) فصل المقال (ص: ٢٨).


الصفحة التالية
Icon