ويدخلُ في المتشابه النِّسبيِّ كلُّ من أخطأ التَّأويلَ الصَّحيحَ ولم يعرفْهُ، فإنَّه بالنِّسبةِ له من المتشابهِ بغضِّ النَّظرِ عن قصدهِ، وذلك كما وقع للسَّائلِ الذي سأل ابن عباس عن آياتٍ رأى أنها يخالفُ بعضُها بعضًا، فعن سعيد بن جبير (ت: ٩٤) قال: ((قال رجلٌ لابن عبَّاسٍ: إنِّي أجدُ في القرآنِ أشياءَ تَخْتَلِفُ عليَّ، قال: ( فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ ) [الأنبياء: ١٠١]، ( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ ) [الصافات: ٢٧]، ( وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا ) [النساء: ٤٢]، ( وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) [الأنعام: ٢٣]، فقد كتموا في هذه الآية.
وقالَ: ( أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا ) إلى قولهِ: ( دَحَاهَا ) [النازعات: ٢٧- ٣٠]، فذكرَ خَلْقَ السَّماءِ قبلَ خَلْقِ الأرضِ، ثُمَّ قَالَ: ( أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) إلى قوله: ( طَائِعِينَ ) [فصلت: ٩-١١]، فذكر في هذه خَلْقَ الأرضِ قبل السَّماءِ.
وقال: (ِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )، ( عَزِيزًا حَكِيمًا )، ( سَمِيعًا بَصِيرًا )، فكأنه كانَ ثُمَّ مَضَى.
فقال: ( فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ ) [الأنبياء: ١٠١] في النَّفْخَةِ الأولى، ثُمَّ يُنفخُ في الصُّورِ، فصعق من في السَّماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنسابَ بينهم عند ذلك، ولا يتساءلون. ثُمَّ في النَّفخةِ الآخرةِ أقبل بعضُهم على بعضٍ يتساءلون.
وأمَّا قوله: ( مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) [الأنعام: ٢٣]، ( وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا ) [النساء: ٤٢]، فإن الله يغفرُ لأهل الإخلاصِ ذنوبَهم، فقال المشركون: تعالوا نقول: لم نكن مشركين، فخُتِمَ على أفواهِهم، فَتَنْطِقُ أيديهم، فعند ذلك عرف أنَّ الله لا يُكْتَمُ حديثًا، وعنده ( يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) الآية [النساء: ٤٢].


الصفحة التالية
Icon