وخلقَ الأرضَ في يومينِ، ثم خلقَ السَّماءََ، ثُمَّ استوى إلى السَّماءِ فسواهُنَّ في يومين آخَرَين، ثُمَّ دَحَا الأرضَ، ودَحْوُهَا: أنْ أخرجَ منها الماءَ والمرعَى، وخَلَقَ الجبالَ والجِمَالَ والآكَامَ وما بينهما في يومين آخَرَينِ، فذلك قولُه: ( دَحَاهَا ) [النازعات: ٣٠]، وقولُه: ( خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) [فصلت: ٩] فَجُعِلَتِ الأرضُ وما فيها مِنْ شَيْءٍ في أربعةِ أيَّامٍ، وخُلِقَتِ السَّماواتُ في يومينِ.
( وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) سَمَّى نفسَه بذلك، وذلك قولُه، أي: لم يَزَلْ كذلك.
فإنَّ اللهَ لم يُرِدْ شيئًا إلا أصابَ به الذي أرادَ، فلا يختلفْ عليك القرآنُ، فإن كلاً مِنْ عندِ اللهِ(١).
فهذا سائلُ اشتبه عليه شيءٌ من القرآنِ، فرجع به إلى الراسخين في العلمِ، إلى حبرِ الأمَّةِ وترجمانِ القرآنِ، فأخبرَه بمعنى ما كانَ متشابهًا عنده، وكلُّه كما ترى داخلٌ في المعلومِ، وليس فيما استأثرَ اللهُ بعلمِه.
وليس الوقوعُ في المتشابه النِّسبيِّ مشكلاً، إذ لا يسلمُ أحدٌ منه، لأنه قد يخفى عليه كثيرٌ من المعاني، فما كان خافيًا عليه، كان بالنِّسبةِ له متشابِهًا.
لكن إن عمدَ إلى الآياتِ، وحرفَ مدلولها، أو عمد إلى قضيَّةٍ كليَّةٍ، كالقدرِ وغيرِه، وأخذَ بجزءٍ من آياتِها التي توافقُ معتقدَه، وحرَّف الآيات الأخرى أو أهملَها = قَصْدَ الزَّيغِ والتَّحريفِ والفتنةِ، كانَ مذمومًا بنصِّ الآيةِ، وينطبقُ هذا على عمومِ أهلِ البِدَعِ، كالخوارجِ والسَّبئيَّةِ، وغيرهم.

(١) رواه البخاري في صحيحه، ينظر: فتح الباري، ط: الريان (٨: ٤١٨).


الصفحة التالية
Icon