وقد ذكر الطبريُّ (ت: ٣١٠) في تاريخه شيئًا من تحريفات عبدالله بن سبأ، ومنها قوله: ((العجبُ ممن يزعمُ أنَّ عيسى يرجعُ، ويُكَذِّبُ بأنَّ محمدًا يرجعُ، وقد قال الله عز وجل: ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) [القصص: ٨٥] فمحمَّدٌ أحقُّ بالرجوعِ من عيسى، قال: فقُبِلَ ذلك عنه، ووضَعَ لهم الرَّجعة(١)، فتكلَّموا فيها)) (٢).
ولم يثبتِ البتَّةَ رجوعُ النَّبيِّ ﷺ إلى الدُّنيا بعدَ مماتِه، ولكنَّ ابن سبأ اعتمدَ على هذا الإجمال الوارد في قوله: ( لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ )، وجعلَه في عقيدةٍ جديدةٍ بثَّها في أصحابِه الجُهَّالِ، فقبلُوها.
والواردُ عن الرَّاسخينَ في علمِ التَّفسيرِ، الذين هم أعلمُ بالتَّأويلِ: لرادُّك إلى الموتِ، أو إلى الجنَّةِ، أو إلى بلدكَ مكَّةَ(٣)، وليس فيها مثلُ هذه العقيدةِ الفاسدة.
وقد أشارَ قتادة (ت: ١١٧) إلى هذين الصِّنفين من أهل البِدَعِ، وجعلَهم مقصودينَ بهذه الآيةِ، فقال: ((إن لم يكونوا الحرورويَّة والسبئيَّة فلا أدري من هم، ولعمري لقد كان في أهلِ بدرٍ والحديبية الذين شهدوا مع رسول الله بيعة الرِّضوان من المهاجرين والأنصارِ = خبرٌ لمن استخبرَ، وعبرةٌ لمن استعبرَ، لمن كان يعقل أو يبصر.

(١) يعني أصحابه الذين شايعوه من مصر.
(٢) تاريخ الطبري (٢: ٦٤٧).
(٣) ينظر في أقوال السلف في تفسير هذه الآية: تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٠: ١٢٣- ١٢٦).


الصفحة التالية
Icon