إن الخوارج خرجوا وأصحاب رسول الله يومئذٍ كثير بالمدينة والشام والعراق وأزواجه يومئذٍ أحياء، والله إنْ خرج منهم ذكرٌ ولا أنثى حروريًّا قطُّ، ولا رضوا الذي هم عليه، ولا مالؤهم فيه، بل كانوا يحدِّثون بعيب رسول الله إياهم، ونعتِه الذي نعتهم به، وكانوا يبغضونهم بقلوبهم، ويعادوهم بألسنتهم، وتشتدُّ – والله – عليهم أيديهم إذا لقوهم، ولعمري لو كان أمر الخوارج هُدَىً لاجتمع، ولكنه كان ضلالاً فتفرق، وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله، وجدت فيه اختلافًا كثيرًا، فقد ألاصُوا(١) هذا الأمر منذ زمان طويل، فهل أفلحوا فيه يومًا، أو أنجحوا؟!
يا سبحان الله! كيف لا يعتبر آخر هؤلاء القوم بأولهم؟ لو كانوا على هدى قد أظهره الله وأفلحه ونصره، ولكنهم كانوا على باطل أكذبه الله وأدحضه.
فهم كما رأيتهم، كلما خرج لهم قَرْنٌ أدحض الله حجتهم، وأكذب أحدوثَتهم، وأهرق دماءهم. إن كتموا كان قَرْحًا في قلوبهم، وغمًّا عليهم. وإن أظهروه أهراقَ اللهُ دماءهم.
ذاكم – والله – دينُ سوءٍ فاجتنبوه، والله إنَّ اليهوديَّة لبدعة، وإنَّ النَّصرانيَّة لبدعةٌ، وإنَّ الحروريَّة لبدعةٌ، وإنَّ السَّبئيَّةَ لبدعة، ما نزل بهن كتاب، ولا سنهن نبي)) (٢).
وهذا يعني أنَّ أهلَ البدعِ وقعوا في المتشابه، فأخذوا بجزءٍ من الكتابِ وحرَّفوا ما لا يوافقُ رأيهم، فالجبريُّ يثبتُ الآياتِ التي يرى فيها إثباتَ الجبرِ، ويؤوِّل غيرها من الآياتِ التي تدلُّ على خلافِ مذهبِه.
والقدريُّ يثبتُ الآياتِ التي يرى فيها إثباتَ القدر، ويؤوِّل غيرها من الآياتِ التي تدلُّ على خلافِ مذهبِه.

(١) أي: نظروا فيه وأداروه بينهم وأرادوه من زمان طويل.
(٢) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (٦: ١٨٧- ١٨٩).


الصفحة التالية
Icon