قال الراغب الأصفهاني (ت: بعد ٤٠٠): ((... وقال: ( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ ) [البقرة: ١- ٢] تنبيهًا على أن هذا الكتاب مركب من هذه الحروف التي هي مادة الكلام)) (١).
وقال: ((إن المفهوم من هذه الحروف، الأظهر بلا واسطة، ما ذهب إليه المحققون من أهل اللغة، كالفراء وقطرب – وهو قول ابن عباس وكثير من التابعين على ما نبينه من بعد – وهو أن هذه الحروف لما كانت عنصر الكلام ومادته التي يتركب منها، بيَّن تعالى أنَّ هذا الكتاب من هذه الحروف التي أصلها عندكم، تنبيهًا على إعجازهم، وأنه لو كان من عند البشر لما عجزتم – مع تظاهركم – عن معارضته)) (٢).
وقال: ((وما روي عن ابن عباس أن هذه الحروف اختصار من كلمات، فمعنى: ((ألم)): أنا الله أعلم، ومعنى ((ألمر)): أنا الله أعلم وأرى، فإشارة منه إلى ما تقدم. وبيان ذلك ما ذكره بعض المفسرين أنَّ قصده بهذا التفسير ليس أن هذه الحروف مختصة بهذه المعاني دون غيرها، وإنما أشار بذلك إلى ما فيه الألف واللام والميم من الكلمات تنبيهًا أن هذه الحروف منبع هذه الأسماء، ولو قال: إنَّ اللام يدل على اللعن، والميم على المكر، لكان يُحمل، ولكن تحرَّى في المثال اللفظ الأحسن، كأنه قال: هذه الحروف هي أجزاء ذلك الكتاب.
ومثل هذا في ذكر نُبَذٍ تنبيهًا على نوعه، قول ابن عباس في قوله تعالى: ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) [التكاثر: ٨] أنه الماء الحار في الشتاء، ولم يُرِدْ به أن النعيم ليس إلا هذا، بل أشار إلى بعض ما هو نعيم تنبيهًا على سائره، فكذلك أشار بهذه الحروف إلى ما يتركب منها، وعلى ذلك ما رواه السُّدِّيُّ عنه أن ذلك حروف إذا رُكِّبت يحصل منها اسم الله.

(١) مقدمة جامع التفاسير (ص: ١٠٥).
(٢) مقدمة جامع التفاسير (ص: ١٤٢).


الصفحة التالية
Icon