قال القُرْطُبِيُّ (ت: ٦٧١): ((ما أحسن هذا الكلام لولا ما فيه من التَّحريف في التَّأويلِ، والخروجِ عن الظَّاهرِ، ولكن معناه صحيحٌ في غير هذا)) (١).
ثالثًا- الاستنباطُ من ربطِ آيتينِ ببعضهما:
قد تردُ بعضُ الآياتِ مبيِّنةً لحكم ما، وتردُ آيةٌ آخرى مبيِّنةً لحكمٍ آخر، فيكونُ بجمعِ الآيتينِ بيانٌ لحكمٍ جديد لا يدلُّ عليه أحدُ الآيتين على انفرادِها.
ومن الفوائدِ المستنبطةِ من الجمعِ بين آيتين: أنَّ أقلَّ مُدَّةِ الحَمْلِ ستَّةُ أشهرٍ، وذلك لقوله تعالى: ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) [لقمان: ١٤]، وقولِه: ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ) [الأحقاف: ١٥] (ت: ٩١١): قال السيوطي: ((أخرج ابنُ أبي حاتم عن معمر بن عبدالله الجُهَنيِّ، قال: تزوَّجَ رجلٌ منَّا امرأةً، فولدتْ لتمامِ ستَّةِ أشهرٍ، فانطلقَ إلى عثمان، فأمرَ برجْمِها.
فقال عَلِيٌّ: أمَا سمعتَ اللهَ يقولُ: ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ) [الأحقاف: ١٥]، وقال: ( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) [لقمان: ١٤]، فكم تَجِدُ بَقِيَ إلاَّ ستَّةُ أشهرٍ.
فقالَ عثمانُ: والله ما تفطَّنْتُ لهذا)) (٢).
رابعًا- الاستنباطُ بإعمالِ مفهومِ المخالفةِ:
وذلك أن يأتيَ النَّصُّ بخبرٍ أو حكمٍ، فما كانَ فيه من معنى الخبر أو الحكم المنصوص عليه مباشرةً، فهو من التَّفسيرِ، وما يُفهَمُ عنه من معانِ أحكامٍ أخرى، فهو من الاستنباطِ.

(١) تفسير القرطبي (١: ٢٥١).
(٢) الإكليل في استنباط التَّنْزيل (ص: ١٩٤). وينظر: تفسير ابن كثير، تحقيق: سامي السلامة (٧: ٢٨٠)، وقد ذكر ابن كثيرٍ مثله عن ابن عباسٍ (٦: ٣٣٦)، (٧: ٢٨٠).


الصفحة التالية
Icon