وفيما روي أنّ موسى عليه السلام كان يسمع ذلك الكلام من كل جهة تنبيه على أنّ سماع كلامه تعالى القديم ليس من جنس كلام المحدثين وهل كان سبحانه وتعالى كلم موسى وحده أو مع أقوام آخرين؟ ظاهر الآية يدل للأوّل لأنّ قوله تعالى: ﴿وكلمه ربه﴾ يدل على تخصيص موسى عليه السلام بهذا التشريف والتخصيص بالذكر يدل على نفي الحكم عمن عداه، وقال القاضي: بل السبعون المختارون سمعوا أيضاً كلام الله تعالى، قال: لأنّ الغرض بإحضارهم أن يخبروا قوم موسى عليه السلام عما يجري هناك وهذا المقصود لا يتم إلا عند سماع الكل وأيضاً فإنّ تكليم الله تعالى على هذا الوجه معجز وقد تقدّمت نبوّة موسى عليه السلام فلا بدّ من ظهور هذا المعنى لغيره، ولما سمع عليه السلام كلام ربه اشتاق إلى رؤيته سبحانه وتعالى ﴿قال رب أرني أنظر إليك﴾ قال في الكشاف: ثاني مفعولي أرني محذوف أي: أرني نفسك أنظر إليك.
فإن قيل: الرؤية عين النظر فكيف قيل: أرني أنظر إليك؟ أجيب: بأنّ معنى أرني نفسك اجعلني متمكناً من رؤيتك بأن تتجلى لي فأنظر إليك وأراك وفي هذا دليل على أنّ رؤيته تعالى جائزة في الجملة لأنّ طلب المستحيل من الأنبياء محال خصوصاً ما يقتضي الجهل بالله تعالى ولذلك ردّه بأن ﴿قال﴾ له ﴿لن تراني﴾ دون لن أرى ولن أريك ولن تنظر إليّ تنبيهاً على أنه قاصر عن رؤيته لتوقفها على بعد في الرائي لم يوجد فيه بعد وجعل السؤال لتبكيت قومه الذين: قالوا: ﴿أرنا الله جهرة﴾ (النساء، ١٥٣)
(١٥/٤١١)
---