تنبيه: للوفاء بالعهد درجات كثيرة: فأوّل مراتبه منا هو الإتيان بكلمتي الشهادتين، ومن الله تعالى حقن الدماء والمال، وآخرها منا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلاً عن غيره، ومن الله تعالى الفوز بالغنى الدائم، وأمّا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن ﴿أوفوا بعهدي﴾ في اتباع محمد ﴿أوف بعهدكم﴾ في رفع الآصار أي: الأثقال والأغلال، وعن غير ابن عباس: أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب، أو أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم أوف بالكرامة والنعيمم المقيم فبالنظر إلى الوسايط ﴿وإياي فارهبون﴾ فيما تأتون وتذرون وخصوصاً في نقض العهد، والرهبة خوف مع تحرز.
تنبيه: الآية متضمنة للوعد والوعيد دالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد وأنّ المؤمن ينبغي أن لا يخاف أحداً إلا الله.
﴿وآمنوا بما أنزلت﴾ من القرآن، وقوله تعالى: ﴿مصدّقاً﴾ حال مؤكدة مما أنزلت أو من ضميره المحذوف ﴿لما معكم﴾ من التوراة بموافقته له ولغيره من الكتب الإلهية في القصص ونعت النبيّ ﷺ والمواعيد والدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل بين الناس والنهي عن المعاصي والفواحش وفيما يخالفها من جزئيات الأحكام بسبب تفاوت الأعصار في المصالح من حيث أن كل واحد منها حق بالاضافة إلى زمانها مراعى فيها صلاح من خوطب بها حتى لو نزل المتقدّم في أيام المتأخر لنزل على وفقه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما رواه الإمام أحمد وغيره: «لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي» وفي ذلك تنبيه على أن اتباع تلك الكتب الإلهية لا ينافي الإيمان بالقرآن بل يوجبه ولذلك عرّض بقوله: ﴿ولا تكونوا أوّل كافر به﴾ أي: بالقرآن بل يجب أن تكونوا أوّل مؤمن به لأنكم أهل نظر في معجزاته والعلم بشأنه.
(١/١١٦)
---