فإن قيل: كيف نهوا عن التقدّم في الكفر وقد سبقهم مشركو العرب أجيب: بأن المراد به التعريض بما يجب عليهم لمقتضى حالهم لا الدلالة على ما نطق الظاهر، كقولك لمن أساء: أمّا أنا فلست بجاهل، أو ولا تكونوا أوّل كافر من أهل الكتاب لأن خلفكم تبع لكم فإثمهم عليكم أو ممن كفر بما معه فإن من كفر بالقرآن فقد كفر بما يصدقه أو مثل من كفر من مشركي مكة.
تنبيه: أوّل كافر به وقع خبراً عن ضمير الجمع بتقدير أوّل فريق أو فوج أو بتأويل لا يكن كل واحد منكم أوّل كافر به كقولك: كسانا حلة أي: كل واحد منا ﴿ولا تشتروا﴾ تستبدلوا ﴿بآياتي﴾ التي في كتابكم من نعت محمد ﷺ ﴿ثمناً قليلاً﴾ أي: عوضاً يسيراً من الدنيا أي: لا تكتموها خوف فوات ما تأخذونه من سفلتكم وذلك أنّ رؤساء اليهود وعلماءهم كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وجهالهم يأخذون منهم كل سنة شيئاً معلوماً من زروعهم وضروعهم ونقودهم فخافوا أنهم إن بينوا صفة النبيّ ﷺ وتابعوه أن يفوتهم تلك المآكل فغيروا نعته وكتموا اسمه فاختاروا الدنيا على الآخرة فنهوا عن ذلك فإنّ حظوظ الدنيا وإن جلت قليلة مسترذلة بالاضافة إلى ما يفوت من حظوظ الآخرة ﴿وإياي فاتقون﴾ خافون في ذلك دون غيري.
﴿س٢ش٤٢/ش٤٦ وَ تَلْبِسُوا؟ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا؟ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَأَقِيمُوا؟ الصلاةَ وَءَاتُوا؟ الزكاةَ وَارْكَعُوا؟ مَعَ الرَّاكِعِينَ * أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ؟ أَفَ تَعْقِلُونَ * وَاسْتَعِينُوا؟ بِالصَّبْرِ وَالصلاةِ؟ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِs عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا؟ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾
(١/١١٧)
---


الصفحة التالية
Icon