وعن المغيرة نزلت في قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعن جابر بن عبد الله أنّ أبا سفيان خرج من مكة، فعلم النبيّ ﷺ خروجه وعزم الذهاب إليه، فكتب رجل من المنافقين إليه: إنّ محمداً يريدكم فخذوا حذركم، فنزلت، وقيل: معنى لا تخونوا الله بأن لا تعطلوا فرائضه، ورسوله بأن لا تستنوا به، وأصل الخون النقص كما أنّ أصل الوفاء التمام، واستعماله في ضدّ الأمانة لتضمنه إياه، وقوله تعالى: ﴿وتخونوا أماناتكم﴾ أي: ما إئتمنتم عليه من الدين وغيره مجزوم بالعطف على الأوّل أي: ولا تخونوا، أو منصوب بأن مضمرة بعد الواو على جواب النهي أي: لا تجمعوا بين الخيانتين كقوله:
*لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله*
﴿وأنتم تعلمون﴾ أنكم تخونون أي: وأنتم علماء مميزون الحسن من القبيح.
﴿واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة﴾ أي: محنة من الله تعالى ليبلوكم فيهم، فلا يحملنكم حبهم على الخيانة كأبي لبابة؛ لأنه يشغل القلب بالدنيا ويصيره حجاباً عن خدمة المولى.
ثم إنه تعالى نبه بقوله تعالى: ﴿وإنّ الله عنده أجر عظيم﴾ على أنّ سعادات الآخرة خير من سعادات الدنيا؛ لأنها أعظم في الشرف، وأعظم في القوّة، وأعظم في المدّة؛ لأنها تبقى بقاء لا نهاية له فهذا هو المراد من وصف الله الأجر الذي عنده بالعظم.
قال الرازي: ويمكن أن يتمسك بهذه الآية في بيان أن الاشتغال بالنوافل أفضل من الاشتغال بالنكاح؛ لأنّ الاشتغال بالنوافل يفيد الأجر العظيم عند الله، والاشتغال بالنكاح يفيد الولد، ويوجب الحاجة إلى المال، وذلك فتنة، ومعلوم أنّ ما يفضي إلى الأجر العظيم عند الله هو خير مما يفضي إلى الفتنة، اه. لكن محله في غير المحتاج إلى النكاح الواجد أهبته، وإلا فالنكاح حينئذٍ أفضل وأولى من التخلي للعبادة.
ولما حذر الله تعالى عن الفتنة بالأموال والأولاد رغب في التقوى التي توجب ترك الميل والهوى في محبة الأموال والأولاد بقوله:
(١٦/٤٠)
---