﴿و﴾ اذكروا ﴿إذ قال موسى لقومه﴾ الذين عبدوا العجل ﴿يا قوم إنكم ظلمتم﴾ قرأ ورش بتغليظ اللام والباقون بالترقيق ﴿أنفسكم باتخاذكم العجل﴾ إلهاً قالوا: فأيّ شيء نصنع؟ قال: ﴿فتوبوا﴾ أي: ارجعوا عن عبادة العجل ﴿إلى بارئكم﴾ أي: خالقكم، وقرأ أبو عمرو بإسكان الهمزة، وروي عن الدوري باختلاس الحركة، وروي عن السوسي إبدالها ياء ساكنة، وأمال الدوري عن الكسائي الألف بعد الباء الموحدة، وإذا وقف حمزة على بارئكم سهل الهمزة بين بين، قالوا: كيف نتوب؟ قال: ﴿فاقتلوا أنفسكم﴾ أي: ليقتل منكم البريء من عبادة العجل من عبده، وقيل: المراد بالقتل قطع الشهوة كما قيل: من لم يعذب نفسه لم ينعمها ومن لم يقتلها لم يحيها، وردّ هذا جماعة بإجماع المفسرين على أنّ المراد هنا القتل الحقيقيّ ﴿ذلكم﴾ أي: القتل ﴿خير لكم عند بارئكم﴾ من حيث أنه طهرة عن الشرك ووصلة إلى الحياة الأبدية والبهجة السرمدية فلما أمرهم موسى بالقتل قالوا: نصبر لأمر الله فجلسوا بالأفنية محتبين وقيل لهم: من حلّ حبوته أو مدّ طرفه إلى قاتله أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردودة توبته وأسلت القوم عليهم الخناجر فكان الرجل يرى ابنه وأباه وأخاه وقريبه فلم يمكنه المضيّ لأمر الله فقالوا: يا موسى كيف نفعل؟ فأرسل الله عليهم ضبابة تشبه سحابة تغشى الأرض كالدخان وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضاً فكانوا يقتتلون إلى المساء فلما كثر القتل دعا موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام وبكيا وتضرّعا وقالا: يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية البقية فكشف الله تعالى السحابة عنهم وأمرهم أن يكفوا عن القتل فكشفت عن ألوف من القتلى.
(١/١٣٠)
---