﴿لا يستأذنك﴾ أي: لا يطلب إذنك بغاية الرغبة فيه ﴿الذين يؤمنون با واليوم الآخر﴾ أي: الذي يكون فيه الجزاء بالثواب والعقاب ﴿أن﴾ أي: في أن ﴿يجاهدوا﴾ وإنما حسن هذا الحذف لظهوره ﴿بأموالهم وأنفسهم﴾ بل يبادرون إلى الجهاد عند إشارتك إليه وبعثك عموماً عليه فضلاً عن أن يستأذنوك في التخلف عنه فإن الخلص من المهاجرين والأنصار كانوا يقولون لا نستأذنه ﷺ في الجهاد فإن ربنا ندبنا إليه مرّة بعد مرّة فأيّ فائدة في الاستئذان ولنجاهد معه بأموالنا وأنفسنا وكانوا بحيث لو أمرهم ﷺ بالقعود لشق عليهم كما وقع لعليّ رضي الله عنه في غزوة تبوك لما أمره رسول الله ﷺ بأن يبقى في المدينة شق عليه ولم يرض حتى قال له ﷺ «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» ﴿وا عليم بالمتقين﴾ أي: الذين يتقون مخالفته ويسارعون إلى طاعته.
﴿إنما يستأذنك﴾ يا محمد في التخلف عن الجهاد معك من غير عذر ﴿الذين لا يؤمنون با واليوم الآخر﴾ وهم المنافقون لأنهم لا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً ﴿وارتابت﴾ أي: شكت ﴿قلوبهم﴾ في الدين وإنما أضاف الشك والارتياب إلى القلب لأنه محل المعرفة والإيمان فإذا داخله الشك كان ذلك نفاقاً ﴿فهم﴾ أي: فتسبب عن ذلك أنهم ﴿في ريبهم يتردّدون﴾ أي: المنافقون ويتحيرون لا مع الكفار ولا مع المؤمنين.
تنبيه: اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآيات فقيل إنها منسوخة بالآية التي في سورة النور وهي قوله تعالى: ﴿إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون با ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم﴾ (النو، ٦٢)
(١٦/١٦٥)
---