﴿لقد ابتغوا الفتنة﴾ أي: العنت ونصب الغوائل والسعي في تشتيت شملك وتفريق أصحابك عنك كما فعل عبد الله بن أبيّ يوم أحد وحنين انصرف بمن معه وعن ابن جريج وقفوا لرسول الله ﷺ على الثنية ليلة العقبة وهم اثنا عشر رجلاً ليفتكوا به. ﴿من قبل﴾ أي: قبل غزوة تبوك ﴿وقلبوا لك الأمور﴾ أي: ودبروا لك الحيل والمكايد ودوروا الآراء في إبطال أمرك ﴿حتى جاء الحق﴾ وهو تأييدك ونصرك ﴿وظهر أمر الله﴾ أي: غلب دينه وعلا شرعه ﴿وهم كارهون﴾ له أي: على رغم منهم فدخلوا فيه ظاهراً، ولما تجهز رسول الله ﷺ إلى غزوة تبوك قال للجد بن قيس وكان من المنافقين: «يا أبا وهب هل لك في جلاد بني الأصفر يعني: الروم نتخذ منهم سراري ووصفاء» فقال الجدّ بن قيس: يا رسول الله لقد علم قومي أني مغرم بالنساء وإني أخشى إن رأيت بنات بني الأصفر أن لا أصبر عنهن ائذن لي بالقعود ولا تفتني وأعينك بمالي، قال ابن عباس: اعتل الجد بن قيس ولم تكن له علة إلا النفاق فأعرض عنه رسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى فيه:
﴿ومنهم﴾ أي: المنافقين ﴿من يقول أئذن لي﴾ أي: في القعود في المدينة ﴿ولا تفتني﴾ أي: ببنات بني الأصفر وقيل: لا توقعني في الفتنة وهي الإثم بأن لا تأذن لي فإنك إن منعتني من القعود وقعدت بغير إذنك وقعت في الإثم وقيل: لا تلقني في الهلاك فإن الزمان زمان شدة الحر ولا طاقة لي بها وقيل: لا تفتني بسبب ضياع المال والعيال؛ إذ لا كافل لهم بعدي قال الله تعالى: ﴿ألا في الفتنة سقطوا﴾ أي: إن الفتنة هي التي سقطوا فيها وهي فتنة التخلف وظهور النفاق لا ما أخبروا عنه ﴿وإن جهنم لمحيطة بالكافرين﴾ أي: جامعة لهم لا محيص لهم عنها يوم القيامة أو هي محيطة بهم الآن لأنّ أسباب الإحاطة معهم فكأنهم في وسطها.
(١٦/١٦٩)
---