﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء المنافقين ﴿هل تربصون﴾ فيه حذف إحدى التاءين من الأصل أي: تنتظرون أن يقع ﴿بنا﴾ أيها المنافقون ﴿إلا إحدى الحسنيين﴾ تثنية حسنى تأنيث أحسن أي: إلا إحدى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما هي حسنى العواقب وهما النصر أو الشهادة، وذلك أنّ المسلم إذا ذهب إلى الجهاد في سبيل الله إما أن يسلم ويغنم فيحصل له المال وإما أن يقتل في سبيل الله فتحصل له الشهادة وهي العاقبة القصوى وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي ﷺ قال: «تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة» ﴿ونحن نتربص بكم﴾ أي: إحدى السوأيين من العواقب إما ﴿أن يصيبكم الله بعذاب من عنده﴾ لا سبب لنا فيه كأن ينزل عليكم قارعة من السماء كما نزلت على عاد وثمود ﴿أو﴾ بعذاب ﴿بأيدينا﴾ أي: بسببنا من قتل ونهب وأسر وغير ذلك ﴿فتربصوا﴾ بنا ما ذكرنا من عواقبنا ﴿إنا معكم متربصون﴾ ما هو عاقبتكم ولا بد أن يلقى كلنا ما يتربصه لا يتجاوزه.
﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء المنافقين ﴿أنفقوا طوعاً أو كرهاً﴾ أي: من غير إلزام من الله ورسوله أو ملزمين.
وسمي الإلزام إكراهاً لأنهم منافقون فكان إلزامهم الإنفاق شاقاً عليهم كالإكراه أو طائعين من غير إكراه من رؤسائكم لأنّ رؤساء أهل النفاق كانوا يحملون على الإنفاق لما يرون من المصلحة فيه أو مكرهين من جهتهم ﴿لن يتقبل منكم﴾ أي: لا تقبل منكم نفقاتكم على أيّ حال كان.
فإن قيل: كيف أمرهم بالإنفاق ثم قال: ﴿لن يتقبل منكم﴾؟ أجيب: بأن هذا أمر في معنى الخبر كقوله تعالى: ﴿قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً﴾ (مريم، ٧٥)
وروي أنها نزلت في الجدّ بن قيس حين تخلف عن غزوة تبوك وقال لرسول الله ﷺ هذا مالي أعينك به فاتركني.
(١٦/١٧١)
---


الصفحة التالية
Icon