ثم علل تعالى سبب منع القبول بقوله تعالى: ﴿إنكم﴾ أي: لأنكم ﴿كنتم قوماً فاسقين﴾ والمراد بالفسق هنا الكفر ويدل عليه قوله تعالى:
﴿وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا با وبرسوله﴾ أي: وما منعهم قبول نفقاتهم إلا كفرهم، وقرأ حمزة والكسائي: يقبل، بالياء على التذكير لأنّ تأنيث النفقات غير حقيقي، والباقون بالتاء على التأنيث ﴿ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى﴾ أي: متثاقلون لا يأتونها قط بنشاط ﴿ولا ينفقون﴾ أيّ: نفقة من واجب أو غيره ﴿إلا وهم كارهون﴾ أي: في حال الكراهة وإن ظهر خلاف ذلك وذلك كله لعدم النية الصالحة وهذا لا ينافي طوعاً لأنّ ذلك بحسب الظاهر وهذا بحسب الواقع.
(١٦/١٧٢)
---
﴿فلا تعجبك﴾ يا محمد ﴿أموالهم﴾ أي: وإن أنفقوها في سبيل الله وجهزوا بها الغزاة فإنّ ذلك من غير إخلاص منهم ولا حسن نية ولا جميل طوية ﴿ولا أولادهم﴾ الذين يتجملون بهم فإنّ ذلك استدراج ووبال كما قال تعالى: ﴿إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا﴾ وإن كان يتراءى أنها لذيدة لأنّ ذلك من شأن الحياة وتعذيبهم فيها بسبب ما يكابدون من جمعها وحفظها من المتاعب وما يرون فيها من الشدائد والمصائب.
(١٦/١٧٣)
---
فإن قيل: هذا لا يختص بالمنافق فما فائدة تخصيصه به؟ أجيب: بأنّ المؤمن قد علم أنه مخلوق للآخرة وأنه يثاب بالمصائب الحاصلة في الدنيا فلم يكن المال والولد في حقه عذاباً والمنافق لا يعتقد ذلك فبقي ما يحصل له في الدنيا من التعب والمشقة والغم والحزن على المال والولد عذاباً عليه في الدنيا ﴿وتزهق﴾ أي: تخرج ﴿أنفسهم﴾ بسببها ﴿وهم﴾ أي: والحال أنهم ﴿كافرون﴾ أي: يموتون على الكفر فتكون عاقبتهم بعد عذاب الدنيا عذاب الآخرة وهكذا كل من أراد الله تعالى استدراجه في الغالب كثر ماله وولده فكثر إعجابه بماله وولده وبطره وكفره نعمة الله تعالى.