قال البيضاويّ: وهذا أظهر في الحجة ويدل له قول وهب: لم يكن حجراً معيناً بل كان موسى يضرب أي حجر كان فينفجر عيوناً لكل سبط عين ثم تسيل كل عين في جدول إلى السبط الذي أمر أن يسقيهم وكان بنو إسرائيل اثني عشر سبطاً ولكن لما قالوا: كيف بنا لو أفضينا إلى أرض لا حجارة فيها حمل حجراً في مخلاته وكان يضربه بعصاه إذا نزل فينفجر ويضربه بها إذا ارتحل فييبس فقالوا: إن فقد موسى عصاه متنا عطشاً فأوحى الله تعالى إليه لا تقرع الحجارة وكلمها تطعك لعلهم يعتبرون وقوله تعالى: ﴿فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً﴾ متعلق بمحذوف أي: فضربه فانفجرت أي: سالت، قال أبو عمرو بن العلاء: انبجست: عرقت وانفجرت: سالت، وقال عطاء: كان يضربه موسى اثنتي عشرة ضربة فيظهر على كل موضع ضربة مثل ثدي المرأة فيعرق ثم تنفجر الأنهار ثم تسيل ﴿قد علم كل أناس﴾ أي: سبط منهم ﴿مشربهم﴾ أي: عينهم التي يشربون منها لا يدخل سبط على غيره في شربه وقلنا لهم: ﴿كلوا واشربوا من رزق الله﴾ أي: كلوا من المنّ والسلوى واشربوا من الماء فهذا كله من رزق الله الذي يأتيكم بلا مشقة ﴿ولا تعثوا﴾ أي: لا تعتدوا ﴿في الأرض مفسدين﴾ أي: حال إفسادكم وإنما قيده لأنه وإن غلب في الفساد قد يكون منه ما ليس بفساد كمقابلة الظالم المعتدي بفعله ومنه ما يتضمّن صلاحاً راجحاً على الفساد كقتل الخضر الغلام وخرقه السفينة.
تنبيه: من أنكر أمثال هذه المعجزات فلغاية جهله بالله تعالى وقلة تدبره في عجائب صنعه فإنه لما أمكن أن يكون من الأحجار ما يحلق الشعر كالنورة ويجذب الحديد كالمغناطيس وينفر الخل كالكهربان فإنه إذا وضع في إناء لا يحصل الخل في ذلك الإناء لم يمتنع أن يخلق الله حجراً يسخره لجذب الماء من تحت الأرض أو لجذب الهواء من الجوانب الأربعة ويصيره ماء بقوّة التدبير ونحو ذلك.
(١/١٣٩)
---