﴿و﴾ اذكروا ﴿إذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد﴾ وذلك أنهم سئموا من أكل المنّ والسلوى، وإنما عبّر عنهما بطعام واحد لعدم تبدّلهما كقول العرب: طعام مائدة الأمير واحد يريدون أنه لا يتغير ألوانه أو لأنّ العرب تعبر عن الاثنين بلفظ الواحد كما تعبر عن الواحد بلفظ الاثنين كقوله تعالى: ﴿يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ (الرحمن، ٢٢) وإنما يخرج من الملح دون العذب أو لأنهم كانوا يعجنون المنّ بالسلوى فيصيرا واحداً أو لأنهم كانوا يأكلون أحدهما بالآخر فكانا كطعام واحد أو ضرب واحد لأنهما معاً طعام أهل التلذذ وهم كانوا أهل فلاحة أي: أهل زراعات فاشتاقوا إلى أصلهم الرديء وعادتهم الخبيثة ولذا قالوا: ﴿فادع لنا ربك﴾ أي: فسل لأجلنا ربك ﴿يخرج لنا﴾ يظهر لنا ويوجد، وجزمه بأنه جواب فادع فإنّ دعوة موسى تسبب الاجابة وقوله تعالى: ﴿مما تنبت الأرض﴾ من الإسناد المجازي وإقامة القابل وهي الأرض لأنها قابلة للنبات مقام الفاعل ومن في قولهم: ﴿مما تنبت﴾ للتبعيض ومن في قولهم: ﴿من بقلها﴾ للبيان والبقل ما تنبته الأرض من الخضر وهو ما ليس له ساق، والمراد به أطايبه التي تؤكل كالكرفس والنعناع والكرّاث ﴿وقثائها وفومها﴾ وهو الخبز كما قاله ابن عباس ومنه فوّموا لنا أي: اخبزوا، أو الحنطة كما قاله عطاء، أو الثوم كما قاله الكلبي ﴿وعدسها وبصلها قال﴾ أي: الله أو موسى ﴿أتستبدلون الذي هو أدنى﴾ أي: أخس وأردأ، وأصل الدنوّ القرب في المكان فاستعير للخسة كما استعير البعد في الشرف والرفعة فقيل: بعيد الهمة بعيد المحل ﴿بالذي هو خير﴾ أي: أشرف وهو المنّ والسلوى فإنه خير في اللذة والنفع وعدم الحاجة إلى السعي أي: أتأخذون هذا بدل هذا والهمزة للإنكار فأبوا أن يرجعوا فدعا موسى ربه فقال تعالى: ﴿اهبطوا﴾ أي: انزلوا، فإن هبط يستعمل متعدّياً بنفسه كما هنا فيكون بمعنى النزول ويستعمل متعدّياً بمن فيكون بمعنى الخروج من مكان إلى آخر مساو له أو أعلى منه