﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين طلبوا منك تغيير القرآن وتبديله ﴿لو شاء الله ما تلوته عليكم﴾ أي: لو شاء الله لم ينزل هذا القرآن، ولم يأمرني بقراءته عليكم ﴿ولا أدراكم به﴾ أي: ولا أعلمكم به على لساني. وقرأ ابن كثير بخلاف عن البزي بقصر الهمزة بعد اللام جواب لو، أي: لأعلمكم به على لسان غيري، والباقون بالمدّ المنفصل. وقوله تعالى: ﴿فقد لبثت﴾ أي: مكثت قراءة نافع وابن كثير وعاصم بإظهار الثاء عند التاء والباقون بالإدغام ﴿فيكم عمراً﴾ سنين أربعين ﴿من قبله﴾ أي: قبل أن يوحى إليَّ هذا القرآن لا أتلوه ولا أعلمه، ففي ذلك إشارة إلى أنّ هذا القرآن معجز خارق للعادة.
وتقريره: أن أولئك الكفار كانوا قد شاهدوا رسول الله ﷺ من أوّل عمره إلى ذلك الوقت، وكانوا عالمين بأحواله وأنه ما طالع كتاباً، ولا تتلمذ لأستاذ ولا تعلم من أحد، ثم بعد انقراض أربعين سنة على هذا الوجه، جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس علم الأصول، ودقائق علم الأحكام ولطائف علم الأخلاق، وأسرار قصص الأوّلين، وعجز عن معارضته العلماء والفصحاء والبلغاء، وكل من له عقل سليم، فإنه يعرف أن مثل هذا لا يحصل إلا بالوحي والإلهام من الله تعالى ﴿أفلا تعقلون﴾ أي: أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر لتعلموا أنَّ مثل هذا الكتاب العظيم على من لم يتعلم ولم يتتلمذ ولم يطالع كتاباً، ولم يمارس مجادلة، أنه لا يكون إلا على سبيل الوحي من الله تعالى، لا من مثلي، وهذا جواب عمّا دسوه تحت قولهم ﴿ائت بقرآن غير هذا﴾ من إضافة الإفتراء إليه.
(٣/٢١)
---