﴿وما ظن الذين يفترون﴾ أي: يتعمدون ﴿على الله الكذب﴾ أي: أيّ شيء ظنهم به ﴿يوم القيامة﴾ أيحسبون أن لا يؤاخذهم ولا يجازيهم على أعمالهم ؟فهو استفهام بمعنى التوبيخ والتقريع والتهديد والوعيد العظيم لمن يفتري على الله الكذب ﴿إن الله لذو فضلٍ على الناس﴾ بنعم كثيرة لا تحصى منها: إنزال الكتب مفصلاً، فيها ما يرضيه وما يسخطه، ومنها: إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام لبيانها بما يحتمله عقول الخلق منها، ومنها: طول إمهالهم على سوء أفعالهم، ومنها: إنعامه عليهم بالعقل، فكان شكره واجباً عليهم ﴿ولكن أكثرهم﴾ أي: الناس ﴿لا يشكرون﴾ هذه النعم ولا يستعملون العقل في دلائل الله تعالى ولا يقبلون دعوة أنبيائه، ولا ينتفعون باستماع كتب الله، وقوله تعالى:
﴿وما تكون﴾ خطاب للنبيّ ﷺ ﴿في شأن﴾ أي: عمل من الأعمال وجمعه شؤون، والضمير في قوله تعالى: ﴿وما تتلو منه﴾ إمّا للشأن؛ لأنّ تلاوة القرآن شأن من شأن رسول الله ﷺ بل هو معظم شأنه، وإمّا للتنزيل كأنه قيل: وما تتلو من التنزيل ﴿من قرآن﴾ لأنّ كل جزء منه قرآن، والإضمار قبل الذكر تفخيم له، وإما لله تعالى، والمعنى: وما تتلو من الله من قرآن نازل عليك، وقوله تعالى ﴿ولا تعملون من عمل﴾ أي: أيّ عمل كان تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رئيسهم وهو النبيّ ﷺ ولذلك ذكر حيث خص بما فيه فخامة وهو الشأن، وذكر حيث عمّ بقوله تعالى: من عمل، بما يتناول الجليل والحقير، وقيل: إنّ الكل داخلون في الخطابين الأوّلين أيضاً؛ لأنه من المعلوم أنه إذا خوطب رئيس القوم كان القوم داخلين في ذلك الخطاب، كما في قوله تعالى: ﴿يا أيها النبيّ إذا طلقتم النساء﴾ (الطلاق، ١).
(٣/٦١)
---


الصفحة التالية
Icon