﴿فكذبوه﴾ أي: أصرّوا على تكذيبه، بعدما ألزمهم الحجة، وبين أن توليتهم ليست إلا لعنادهم وتمردهم لا جرم حقت عليهم كلمة العذاب ﴿فنجيناه﴾ من الغرق ﴿ومن معه في الفلك﴾ أي: السفينة وكانوا ثمانين ﴿وجعلناهم﴾ أي: الذين أنجيناهم معه في الفلك ﴿خلائف﴾ في الأرض يخلقون الهالكين بالغرق ﴿وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا﴾ بالطوفان، وقوله تعالى: ﴿فانظر﴾ أي: أيها الإنسان أو يا محمد ﴿كيف كان عاقبة المنذرين﴾ تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن أنذرهم رسول الله ﷺ عن مثله وتسلية له، وهذه القصة إذا سمعها من صدّق النبيّ ﷺ ومن كذب به كان زجراً للمكلفين من حيث يخافون أن ينزل بهم مثل ما نزل بقوم نوح، وتكون داعية للمؤمنين على الثبات على الإيمان ليصلوا إلى مثل ما وصل إليه قوم نوح، وهذه الطريقة في الترغيب والتحذيرإذا جرت على سبيل الحكاية عمن تقدّم كانت أبلغ من الوعيد المبتدأ، ولهذا الوجه أكثر تعالى ذكر أقاصيص الأنبياء عليهم السلام.
﴿ثم بعثنا من بعده﴾ أي: نوح ﴿رسلاً إلى قومهم﴾ لم يسم هنا تعالى من كان بعد نوح من الرسل، وقد كان بعده هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب صلوت الله وسلامه عليهم. ﴿فجاؤوهم بالبينات﴾ أي: بالمعجزات الواضحات التي تدل على صدقهم. ﴿فما كانوا ليؤمنوا ﴾ أي: فما استقام لهم أن يؤمنوا لشدّه عنادهم وخذلان الله تعالى إياهم ﴿بما﴾ أي: بسبب ما ﴿كذبوا به من قبل﴾ أي: أنهم كانوا قبل بعثة الرسل إليهم أهل جاهلية مكذبين بالحق، فما وقع فصل بين حالتيهم بعد بعثة الرسل وقبلها كأن لم يبعث إليهم أحد ﴿كذلك﴾ أي: مثل ما طبعنا على هؤلاء بسبب تكذيبهم الرسل ﴿نطبع﴾ أي: نختم ﴿على قلوب المعتدين﴾ في كل زمن لكل من تعمد العدول فيما لا يحلّ له، فلا يقبل الإيمان لانهماكهم في الضلال واتباعهم المألوف. وفي أمثال ذلك دليل على أن الأفعال واقعة بقدرة الله تعالى وكسب العبد.
(٣/٧٢)
---


الصفحة التالية
Icon