﴿فما آمن لموسى إلا ذريّة من قومه﴾ وإنما ذكر تعالى ذلك تسلية لمحمد ﷺ لأنه كان يغتمّ بسبب إعراض القوم عنه واستمرارهم على الكفر بين تعالى أنّ له في هذا الباب بسائر الأنبياء أسوة؛ لأنّ الذي ظهر من موسى عليه السلام من المعجزات كان أمراً عظيماً، ومع ذلك فما آمن له إلا ذرية من قومه، والذرية اسم يقع على القليل، من القوم. قال ابن عباس: الذرية القليل، والهاء التي في قومه راجعة إلى موسى، أي: فما آمن من قومه إلا طائفة من ذراري بني اسرائيل، كأنه قيل إلا أولاد قومه، وذلك أنه دعا الآباء فلم يجيبوه خوفاً من فرعون، وإجابته طائفة من أبنائهم مع الخوف. وقيل: راجعة إلى فرعون، والذرية: امرأته آسية ومؤمن آل فرعون وخازن فرعون وامرأة خازنه وماشطته ﴿على خوف من فرعون وملئهم﴾ أي: خوف منه؛ لأنه كان شديد البطش، وكان قد أظهر العداوة مع موسى، وإذا علم ميل القوم إلى موسى، كان يبالغ في إيذائهم، فلهذا السبب كانوا خائفين منه ومن أشراف قومه، والضمير لفرعون وجمعه على ما هو المعتاد في ضمير العظمة؛ لأنه ذو أصحاب يأتمرون به. وقيل: المراد بفرعون آله. كما يقال ربيعة ومضر. ﴿أن يفتنهم﴾ أي: يصرفهم ويصدّهم عن الإيمان ﴿وإنّ فرعون لعال﴾ أي: متكبر قاهر ﴿في الأرض﴾ أي: أرض مصر ﴿وإنه لمن المسرفين﴾ أي: المجاوزين الحدّ، فإنه كان من أخس العبيد وادّعى الربوبية، وكان كثير القتل والتعذيب لبني إسرائيل.
﴿وقال موسى﴾ لقومه ﴿يا قوم إن كنتم آمنتم بالله﴾ أي: صدقتم به وبآياته ﴿فعليه توكلوا﴾ أي: ثقوا به واعتمدوا عليه فإنه ناصر أوليائه ومهلك أعدائه ﴿إن كنتم مسلمين﴾ أي: مستسلمين لقضاء الله تعالى مخلصين له. وقيل: إن كنتم آمنتم بالقلب وأسلمتم بالظاهر.
﴿فقالوا﴾ مجيبين له ﴿على الله توكلنا﴾ أي: عليه اعتمدنا لا على غيره، ثم دعوا ربهم فقالوا ﴿ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين﴾ أي: لا تسلطهم علينا فيفتنوننا.
(٣/٧٨)
---