﴿ونجنا﴾ أي: خلصنا ﴿برحمتك من القوم الكافرين﴾ أي: من أيدي قوم فرعون؛ لأنهم كانوا يستعبدونهم ويستعملونهم في الأعمال الشاقة، وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا مخلصين، لا جرم أنّ الله تعالى قبل توكلهم، وأجاب دعاءهم ونجاهم، وأهلك من كانوا يخافونه، وجعلهم خلفاء في الأرض. وفي تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على أنّ الداعي ينبغي أن يتوكل أوّلاً لتجاب دعوته. ولما شرح الله تعالى خوف المؤمنين من الكافرين وما ظهر فيهم من التوكل على الله تعالى أتبعه بأن أمر موسى وهارون عليهما السلام باتخاذ البيوت بقوله تعالى:
﴿وأوحينا إلى موسى وأخيه﴾ أي: الذي طلب مؤازرته ومعاضدته ﴿أن تبوّأا﴾ أي: اتخذا ﴿لقومكما بمصر بيوتاً﴾ تسكنون فيها أو ترجعون إليها للعبادة ﴿واجعلوا﴾ أنتما وقومكما ﴿بيوتكم﴾ أي: تلك البيوت ﴿قبلة﴾ مصلى أو مساجد كما في قوله تعالى: ﴿في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه﴾ (النور، ٣٦) موجهة نحو القبلة، أي: الكعبة، وكان موسى عليه السلام يصلي إليها. وقرأ ورش وأبو عمرو وحفص بيوتاً وبيوتكم برفع الباء، والباقون بالخفض ﴿وأقيموا الصلاة﴾ فيها ذكر المفسرون في كيفية هذه الواقعة وجوهاً ثلاثة:
الأوّل: أنّ موسى عليه السلام ومن معه كانوا في أوّل أمرهم مأمورين بأن يصلوا في بيوتهم خفية من الكفرة لئلا يظهروا عليهم ويؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم كما كان المؤمنون على هذه الحالة في أوّل الإسلام بمكة.
الثاني: أنه قيل: إنه تعالى لما أرسل موسى إليهم أمر فوعون بتخريب مساجد بني اسرائيل ومنعهم من الصلاة فأمرهم الله تعالى أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلوا فيها خوفاً من فرعون.
(٣/٧٩)
---


الصفحة التالية
Icon