الثالث: أنه تعالى لما أرسل موسى إليهم وأظهر فرعون تلك العداوة الشديدة أمر الله تعالى موسى وهارون وقومهما باتخاذ المساجد على رغم الأعداء، وتكفل الله تعالى بأن يصونهم من شرّ الأعداء، وقد خص الله تعالى موسى وهارون في أوّل هذه الآية بالخطاب بقوله تعالى: ﴿أن تبوّأا لقومكما﴾ لأنّ التبوء للقوم واتخاذ المعابد مما يتعاطاه رؤوس القوم للتشاور، ثم عمم هذا الخطاب فقال: واجعلوا بيوتكم قبلة؛ لأن جعل البيوت مساجد وإقامة الصلاة مما ينبغي أن يفعله كل أحد، ثم خص موسى عليه السلام في آخر الكلام بالخطاب فقال تعالى: ﴿وبشر المؤمنين﴾ أي: بالنصر في الدنيا والجنة في العقبى؛ لأنّ الغرض الأصلي من جميع العبادات حصول هذه البشارة، فخص الله تعالى موسى بها ليدل بذلك على أن الأصل في الرسالة هو موسى عليه السلام، وأنّ هارون عليه السلام تبع له، ثم إنّ موسى عليه السلام لما بالغ في إظهار المعجزات القاهرة الظاهرة ورأى القوم مصرّين على الجحد والعناد والإنكار أخذ يدعو عليهم، ومن حق من يدعو على الغير أن يذكر أوّلاً سبب إقدامه على الجرائم وكان جرمهم هو لأجل حبهم الدنيا يزكو ﴿و﴾ لهذا السبب ﴿قال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه﴾ أي: أشراف قومه على ما هم عليه من الكفر والكبر ﴿زينة﴾ أي: عظيمة يتزينون بها من الحلية واللباس وغيرهما من الدواب والغلمان وأثاث البيت الفاخر ونحو ذلك. ﴿وأموالاً﴾ أي: كثيرة من الذهب والفضة وغيرهما ﴿في الحياة الدنيا﴾ روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان لهم من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن من ذهب وفضة وزبرجد وياقوت، ثم بيّن غايتها لهم فقال مفتتحاً بالنداء باسم الرب: ليعيذه وأتباعه من مثل حالهم. ﴿ربنا﴾ أي: يا ربنا آتيتهم ذلك ﴿ليضلوا﴾ أي: في خاصة أنفسهم ويضلوا غيرهم ﴿عن سبيلك﴾ أي: دينك واللام للعاقبة وهي متعلقة بآتيت كقوله تعالى: ﴿فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا وحزناً﴾ (القصص، ٨) وقيل:


الصفحة التالية
Icon