(٣/١٤٨)
---
﴿ثم يمسهم منا عذاب أليم﴾ في الآخرة وهم الكفار. وعن محمد بن كعب القرظي: دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة، وفيما بعده من المتاع والعذاب كل كافر وقيل: المراد بالأمم الممتعة قوم هود وصالح ولوط وشعيب. ولما شرح تعالى قصة نوح عليه السلام على التفصيل قال تعالى:
﴿تلك﴾ أي: قصة نوح التي شرحناها، ومحلّ تلك رفع على الابتداء وخبرها ﴿من أنباء الغيب﴾ أي: من الأخبار التي كانت غائبة عن الخلق. وقوله تعالى: ﴿نوحيها إليك﴾ خبر ثان والضمير لها، أي: موحاة إليك. وقوله تعالى: ﴿ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا﴾ أي: نزول القرآن خبر آخر، والمعنى أنّ هذه القصة مجهولة عندك وعند قومك من قبل إيحائنا إليك، ونظير هذا أن يقول إنسان لآخر: لا تعرف هذه المسألة لا أنت ولا أهل بلدك. فإن قيل: قد كانت قصة طوفان نوح مشهورة عند أهل العلم. أجيب: بأنّ ذلك كان بحسب الإجمال، وأمّا التفاصيل المذكورة فما كانت معلومة، أو بأنه ﷺ كان أمّياً لم يقرأ الكتب المتقدّمة ولم يعلمها. وكذلك كانت أمته. ثم قال تعالى لنبيه محمد ﷺ ﴿فاصبر﴾ أي: أنت وقومك على أذى هؤلاء الكفار كما صبر نوح وقومه على أذى أولئك الكفار. ﴿إنّ العاقبة للمتقين﴾ الشرك والمعاصي وفي هذا تنبيه على أنّ عاقبة الصبر لنبينا ﷺ النصر والفرج، أي: السرور كما كان لنوح ولقومه. فإن قيل: هذه القصة ذكرت في يونس فما الحكمة والفائدة في إعادتها؟ أجيب: بأنّ القصة الواحدة قد ينتفع بها من وجوه، ففي السورة الأولى كان الكفار يستعجلون نزول العذاب فذكر تعالى قصة نوح في بيان أنّ قومه كانوا يكذبونه بسبب أنّ العذاب ما كان يظهر ثم في العاقبة ظهر فكذا في واقعة محمد ﷺ وفي هذه السورة ذكرت لأجل أنّ الكفار كانوا يبالغون في الإيحاش فذكرها الله تعالى لبيان أنّ إقدام الكفار على الإيذاء والإيحاش كان


الصفحة التالية
Icon