﴿قالوا يا هود ما جئتنا ببينة﴾ أي: بحجة تدل على صحة دعواك. وسميت بينة؛ لأنها تبين الحق، ومن المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام كان قد أظهر لهم المعجزات إلا أن القوم لجهلهم أنكروها وزعموا أنه ما جاء بشيء من المعجزات. وثانيها: قولهم: ﴿وما نحن بتاركي آلهتنا﴾ أي: عبادتها، وقولهم: ﴿عن قولك﴾ أي: صادرين عن قولك حال من الضمير في تاركي، وهذا أيضاً من جهلهم فإنهم كانوا يعرفون أنّ النافع والضارّ هو الله تعالى وأن الأصنام لا تضر ولا تنفع وذلك حكم فطرة العقل وبديهة النفس، وثالثها: قولهم: ﴿وما نحن لك بمؤمنين﴾ أي: مصدّقين، وفي ذلك إقناط له من الإجابة والتصديق. ورابعها: قولهم:
﴿إن﴾ أي: ما ﴿نقول﴾ في شأنك ﴿إلا اعتراك﴾ أي: أصابك ﴿بعض آلهتنا بسوء﴾ لسبك إياها فجعلتك مجنوناً وأفسدت عقلك، ثم إنه تعالى ذكر أنهم لما قالوا ذلك ﴿قال﴾ هود عليه السلام مجيباً لهم: ﴿إني أشهد الله﴾ عليّ ﴿واشهدوا﴾ أنتم أيضاً عليّ ﴿أني بريء مما تشركون﴾. ﴿من دونه﴾ أي: الله وهو الأصنام التي كانوا يعبدونها ﴿فكيدوني﴾ أي: احتالوا في هلاكي ﴿جميعاً﴾ أنتم وأصنامكم التي تعتقدون أنها تضر وتنفع فإنها لا تضرّ ولا تنفع.
فائدة: اتفق القراء على إثبات الياء في كيدوني هنا وقفاً ووصلاً لثباتها في المصحف ﴿ثم لا تنظرون﴾ أي: تمهلون، وهذا فيه معجزة عظيمة لهود عليه السلام؛ لأنه كان وحيداً في قومه وقال لهم هذه المقالة ولم يهبهم ولم يخف منهم مع ما هم فيه من الكفر والجبروت ثقة بالله تعالى كما قال تعالى:
(٣/١٥٣)
---