﴿وإلى ثمود﴾ وهم سكان الحجر، أي: وأرسلنا إلى ثمود ﴿أخاهم﴾ فهو معطوف على قوله تعالى نوحاً كما عطف عليه وإلى عاد وقوله تعالى: ﴿صالحاً﴾ عطف بيان، وتلك الأخوة كانت في النسب لا في الدين، كما مرّ في هود، ثم أخرج قوله عليه السلام على تقدير سؤال بقوله: ﴿قال يا قوم﴾، أي: يا من يعز عليّ أن يحصل لهم سوء ﴿اعبدوا الله﴾، أي: وحدوه وخصوه بالعبادة ﴿ما لكم من إله غيره﴾ هو إلهكم المستحق للعبادة لا هذه الأصنام، ثم ذكر الدلائل الدالة على وحدانيته تعالى بقوله: ﴿هو أنشاكم﴾، أي: ابتدأ خلقكم ﴿من الأرض﴾ وذلك أنهم من بني آدم وآدم خلق من الأرض، أو أنّ الإنسان مخلوق من المني وهو متولد من الدم والدم متولد من الأغذية وهي إمّا حيوانية وإمّا نباتية، فأمّا الحيوانية فحالها كحال الإنسان فوجب انتهاء الكل إلى النبات والنبات متولد من الأرض، فثبت أنه تعالى أنشأ الإنسان من الأرض. وقيل: من بمعنى في كما في قوله تعالى: ﴿إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة﴾ (الجمعة، ٩). ﴿واستعمركم فيها﴾، أي: جعلكم عمارها وسكانها، وقال الضحاك: أطال أعماركم فيها حتى أنّ الواحد منهم كان يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة وكذا كان قوم عاد، وروي أنّ ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار وحصلت لهم الأعمار الطويلة، فسأل نبيّ من أنبياء زمانهم ربه ما سبب تلك الأعمار فأوحى الله إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي، وأخذ معاوية في إحياء الأرض في آخرة عمره فقيل له ذلك فقال: ما حملني عليه إلا قول القائل:
*ليس الفتى بفتى لا يستضاء به ** ولا يكون له في الأرض آثار
وقال مجاهد: استعمركم من العمرى، أي: جعلها لكم ما عشتم فإذا متم انتقلت إلى غيركم.
(٣/١٥٩)
---