﴿قال﴾ لهم ﴿يا قوم﴾ مستعطفاً لهم مع غلظتهم عليه ﴿أرهطي أعز عليكم من الله﴾ المحيط بكل شيء قدرة وعلماً حتى نظرتم إليهم فيّ لقرابتي منهم، ولم تنظروا إلى الله تعالى في قربي منه لما ظهر عليّ من كرامته تعالى ﴿واتخذتموه وراءكم ظهرياً﴾، أي: جعلتموه كالمنسيّ المنبوذ وراء الظهر بإشراككم به، والإهانة لرسوله. قال في «الكشاف»: والظهريّ منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب، ونظيره قولهم في النسبة إلى الأمس أمسيّ بكسر الهمزة، وقوله: ﴿إنّ ربي بما تعملون محيط﴾، أي: إنه عليم بأحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها. النوع الثاني: قوله:
﴿ويا قوم اعملوا على مكانتكم﴾ والمكانة الحالة التي يمكن صاحبها من عمله، والمعنى: اعملوا حال كونكم موصوفين بغاية المكنة والقدرة وكل ما في وسعكم وطاقتكم من إيصال الشرور إليّ، ﴿إني﴾ أيضاً ﴿عامل﴾ بما آتاني الله من القدرة والطاعة ﴿سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب﴾ فمن موصولة مفعول العلم. فإن قيل: لم لم يقل فسوف تعلمون؟ أجيب: بأنّ إدخال الفاء وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل وأمّا حذف الفاء فيجعله جواباً عن سؤال مقدّر وهو المسمى في علم البيان بالاستئناف البياني، تقديره أنه لما قال: ﴿ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل﴾ فكأنهم قالوا: فماذا يكون بعد ذلك فقال: سوف تعلمون، فظهر أن حذف حرف الفاء ههنا أكمل في بيان الفصاحة والتهويل؛ لأنه استئناف. ﴿وارتقبوا﴾، أي: انتظروا عاقبة أمركم ﴿إني معكم رقيب﴾، أي: منتظر، والرقيب بمعنى الراقب من رقبه كالضريب والصريم، بمعنى الضارب والصارم أو بمعنى المراقب كالعشير والنديم، أو بمعنى المرتقب كالفقير والرفيع بمعنى المفتقر والمرتفع.
(٣/١٨٤)
---