﴿وما ظلمناهم﴾، أي: بإهلاكهم بغير ذنب ﴿ولكن ظلموا أنفسهم﴾ بالكفر والمعاصي. وقال ابن عباس: يريد وما نقصناهم في الدنيا من النعيم والرزق ولكن نقصوا حظ أنفسهم حيث استخفّوا بحقوق الله تعالى ﴿فما أغنت﴾، أي: دفعت ﴿عنهم آلهتهم﴾، أي: أصنامهم ﴿التي يدعون﴾، أي: يعبدون ﴿من دون الله﴾، أي: غيره ﴿من شيء﴾ أي شيئاً فمن مزيدة ﴿لما جاء أمر ربك﴾، أي: عقابه ﴿وما زادوهم﴾ بعبادتهم ﴿غير تتبيب﴾، أي: غير تخسير، وقيل: تدمير، ولما أخبر الله تعالى رسوله ﷺ في كتابه بما فعله بأمم من تقدّم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لما خالفوا الرسل وما ورد عليهم من عذاب الاستئصال وبين أنهم ظلموا أنفسهم فحل بهم العذاب في الدنيا.
قال تعالى بعده: ﴿وكذلك﴾، أي: ومثل ذلك الأخذ العظيم ﴿أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي﴾، أي: القرى ﴿ظالمة﴾ والمراد أهلها ونظيره قوله تعالى: ﴿وكما أهلكنا من قرية بطرت معيشتها﴾ (القصص، ٥٨) وقوله تعالى: ﴿وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة﴾ (الأنبياء، ١٢) فبين تعالى أنّ عذابه ليس مقصوراً على من تقدّم، بل الحال في أخذ كل الظالمين يكون كذلك. ولما بيّن تعالى كيفية أخذ الأمم المتقدّمة، ثم بين تعالى أنه إنما يأخذ جميع الظالمين على ذلك الوجه أتبعه بما يزيده تأكيداً وتقوية بقوله تعالى: ﴿إنّ أخذه أليم﴾، أي: مؤلم ﴿شديد﴾، أي: صعب مفتت القوى. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله ﷺ قال: «إنّ الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته». ثم قرأ ﴿وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد﴾» وفي هذه الآية الكريمة والحديث الشريف دلالة على أن من أقدم على ظلم فإنه يتداركه بالتوبة والإنابة وردّ الحقوق إلى أهلها، إن كان الظلم للغير لئلا يقع في هذا الوعيد العظيم والعذاب الشديد، ولا يظنّ أنّ هذه الآية مختصة بظالمي الأمم الماضية بل هي عامّة في كل ظالم ويعضده الحديث.