﴿وأمّا الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك﴾ كما تقدّم، ودل عليه قوله تعالى: ﴿عطاء غير مجذوذ﴾، أي: مقطوع، وقيل الاستثناء في أهل الشقاوة يرجع إلى قوم من الموحدين يدخلهم الله تعالى إلى النار بذنوب اقترفوها ثم يخرجهم منها فيكون ذلك استثناء، وذلك كافٍ في صحة الاستثناء؛ لأنّ زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض من غير الجنس لأنّ الذين أخرجوا من النار سعداء في الحقيقة استثناهم الله تعالى من الأشقياء،. لما روي عن جابر أنه ﷺ قال: «يخرج قوم من النار بالشفاعة»، وفي رواية: «أن الله تعالى يخرج ما شاء من النار فيدخلهم الجنة». وفي رواية أنه ﷺ قال: «ليصيبن قوماً سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة ثم يدخلهم الله بفضله ورحمته الجنة» وفي رواية أنه ﷺ قال: «يخرج قوم من النار بشفاعة محمد ﷺ فيدخلون الجنة فيسمون الجهنميين». وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: «ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد»، أي: من أهل الكبائر من أمّة محمد ﷺ بأن تخلى طبقتهم التي كانوا فيها وإن نازع في ذلك الزمخشري على مذهبه الفاسد من أنّ أهل الكبائر يخلدون في النار، وأمّا الاستثناء في أهل السعادة فيرجع إلى مدّة لبثهم في النار قبل دخولهم الجنة أو أنّ الاستثناء راجع إلى الفريقين فإنهم مفارقوا الجنة أيام عذابهم، وأنّ التأبيد من مبدأ معين ينقص باعتبار الابتداء كما ينقص باعتبار الانتهاء، وهؤلاء وإن شقوا بعصيانهم فقد سعدوا بإيمانهم، ولا يقال فعلى هذا لم يكن قوله تعالى: ﴿فمنهم شقيّ وسعيد﴾ تقسيماً صحيحاً؛ لأنّ شرطه أن تكون صفة كل قسم منتفية عن قسيمه؛ لأنّ ذلك الشرط حيث التقسيم لانفصال حقيقي، أو مانع من الجميع من الجنة والنار، مدّة تعميرهم في الدنيا واحتباسهم في البرزخ وهو ما بين الموت إلى البعث ومدّة


الصفحة التالية
Icon