﴿وما كان ربك ليهلك القرى بظلم﴾، أي: بشرك ﴿وأهلها مصلحون﴾ فيما بينهم، والمعنى: أنه لا يهلك أهل القرى بمجردّ كونهم مشركين إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم، والحال أنّ عذاب الاستئصال لا ينزل لأجل كون القوم معتقدين الشرك بل إنما ينزل ذلك العذاب إذا أساؤوا في المعاملات وسعوا في الإيذاء والظلم، ولهذا قيل: إنّ حقوق الله تعالى مبناها على المسامحة والمساهلة، وحقوق العباد مبناها على الضيق والشح. ويقال في الأثر: الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم، وإنما نزل على قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عذاب الاستئصال لما حكى الله تعالى عنهم من إيذاء الناس وظلم الخلق ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمّة واحدة﴾، أي: أهل ملة واحدة وهي الإسلام كقوله تعالى ﴿إنّ هذه أمتكم أمة واحدة﴾ وفي هذه الآية دليل على أنّ الأمر غير الإرادة وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد، وأن ما أراده يجب وقوعه. والمعتزلة يحملون هذه الآية على مشيئة الإلجاء والإجبار، ولهذا قال الزمخشري: يعني لاضطرهم إلى أن يكونوا أهل ملة واحدة ﴿ولا يزالون مختلفين﴾، أي: على أديان شتى ما بين يهودي ونصراني ومجوسي ومشرك ومسلم، فكل أهل دين من هذه الأديان اختلفوا في دينهم أيضاً اختلافاً كثيراً لا ينضبط. عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله ﷺ قال: «تفترق اليهود على إحدى وسبعين فرقة» وفي رواية «ألا إنّ من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة فثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة». والمراد بهذه الفرق: أهل البدع والأهواء كالقدرية والمعتزلة والرافضة. والمراد بالواحدة: هي ملة السنة والجماعة الذين اتبعوا الرسول ﷺ في أقواله وأفعاله. فإن قيل: ما الدليل على أنّ الاختلاف في الأديان فلم لا يجوز أن يحمل على الاختلاف في الألوان والألسنة والأرزاق والأعمال؟ أجيب:


الصفحة التالية
Icon