(٣/٢٠٦)
---
بأنّ الدليل عليه ما قبل هذه الآية وهو قوله تعالى: ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمّة واحدة﴾ (هود، ١١٨) فيجب حمل الاختلاف على ما يخرجهم من أن يكونوا أمّة واحدة وما بعد هذه الآية وهو قوله تعالى: ﴿إلا من رحم ربك﴾، أي: أراد لهم الخير فلا يختلفون فيه، فيجب حمل الاختلاف على معنى يصح أن يستثنى منه ذلك، وفي هذه الآية دلالة على أنّ الهداية و الإيمان لا تحصل إلا بتخليق الله تعالى؛ لأنّ تلك الرحمة ليست عبارة عن إعطاء القدرة والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب وإزاحة العذر، فإنّ كل ذلك حاصل في حق الكفار فلم يبق إلا أن يقال: تلك الرحمة هو أنه سبحانه وتعالى خلق فيهم تلك الهداية والمعرفة ﴿ولذلك خلقهم﴾، أي: خلق أهل الاختلاف للاختلاف، وخلق أهل الرحمة للرحمة. روي عن ابن عباس أنه قال: خلق الله أهل الرحمة لئلا يختلفوا، وخلق أهل العذاب لأن يختلفوا، وخلق الجنة وخلق لها أهلاً، وخلق النار وخلق لها أهلاً، والحاصل: أنّ الله تعالى خلق أهل الباطل وجعلهم مختلفين، وخلق أهل الحق وجعلهم متفقين، فحكم على بعضهم بالاختلاف وهم أهل الباطل ومصيرهم إلى النار، وحكم على بعضهم بالاتفاق وهم أهل الحق ومصيرهم إلى الجنة، ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿وتمت كلمة ربك﴾ وهي ﴿لأملأنّ جهنم من الجنة﴾، أي: الجنّ ﴿والناس أجمعين﴾ وهذا صريح بأنّ الله تعالى خلق أقواماً للجنة والرحمة فهداهم ووفقهم لأعمال أهل الجنة، وخلق أقواماً للضلالة والنار فخذلهم ومنعهم من الهداية، ولما ذكر تعالى القصص الكثيرة في هذه السورة ذكر نوعين من الفائدة أوّلهما تثبيت الفؤاد بقوله تعالى:
(٣/٢٠٧)
---


الصفحة التالية
Icon