ثم ذكر تعالى أنّ إخوة يوسف لما ذكروا ذلك الكلام واحتجوا على صدقهم بالقميص الملطخ بالدم ﴿قال﴾ يعقوب عليه السلام ﴿بل سوّلت﴾، أي: زينت ﴿لكم أنفسكم أمراً﴾ ففعلتموه به، واختلف في السبب الذي عرف به كونهم كاذبين على وجوه: الأوّل: أنه كان يعرف الحسد الشديد في قلوبهم. الثاني: كان عالماً بأنه حيّ؛ لأنه عليه السلام قال ليوسف: ﴿وكذلك يجتبيك ربك﴾ (يوسف، ٦) وذلك دليل على كذبهم في ذلك القول، الثالث: أنه لما رأى قميصه صحيحاً قال: كذبتم لو أكله الذئب لخرق ثوبه، وقيل: إنه لما قال ذلك قال بعضهم: بل قتله، اللصوص فقال: كيف قتلوه وتركوا قميصه وهم إلى قميصه أحوج منهم إلى قتله فلما اختلفت أقوالهم عرف بسبب ذلك كذبهم وقوله: ﴿فصبرٌ جميلٌ﴾ مرفوع بالابتداء لكونه موصوفاً، وخبره محذوف والتقدير: فصبر جميل أولى من الجزع، ومنهم من أضمر المبتدأ قال الخليل: الذي أفعله صبر جميل وقال قطرب: معناه فصبري صبر جميل. وقال الفراء: فهو صبر جميل. وعن الحسن أنّ النبيّ ﷺ سئل عن الصبر الجميل؟ فقال: «صبر لا شكوى فيه فمن بث لم يصبر كما قال يعقوب ﴿إنما أشكو بثي وحزني إلى الله﴾». وقال مجاهد: فصبر جميل من غير جزع. وقال الثوري: إنّ من الصبر أن لا تحدّث بوجعك ولا بمصيبتك ولا تزكي نفسك. وروي أنّ يعقوب عليه السلام كان قد سقط حاجباه وكان يرفعهما بخرقة فقيل له: ما هذا؟ فقال: طول الزمان وكثرة الأحزان فأوحى الله تعالى إليه يا يعقوب أتشكوني؟ فقال: يارب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي.
وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها في قصة الإفك أنها قالت: والله لئن حلفت لا تصدّقوني ولئن اعتذرت لا تعذروني فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وولده والله المستعان على ما تصفون فأنزل الله تعالى في عذرها ما أنزل.
(٣/٢٣٠)
---


الصفحة التالية
Icon