(١/١٦٧)
---
الخطاب.
﴿أولئك الذين اشتروا﴾ أي: استبدلوا ﴿الحياة الدنيا بالآخرة﴾ بأن آثروها عليها ﴿فلا يخفف عنهم العذاب﴾ في الدنيا بنقصان الجزية والتعذيب في الآخرة ﴿ولا هم ينصرون﴾ أي: بدفعها عنهم ﴿ولقد آتينا﴾ أي: أعطينا ﴿موسى الكتاب﴾ أي: التوراة جملة واحدة ﴿وقفينا من بعده بالرسل﴾ أي: أتبعناهم رسولاً في إثر رسول كقوله تعالى: ﴿ثم أرسلنا رسلنا تترى﴾ (المؤمنون، ٤٤) يقال: قفاه إذا أتبعه إياه ﴿وآتينا عيسى بن مريم البينات﴾ أي: المعجزات الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والإخبار بالمغيبات أو الإنجيل. وعيسى بالعبرانية أيشوع، ومريم بمعنى الخادم ﴿وأيدناه﴾ أي: قويناه ﴿بروح القدس﴾ قرأ ابن كثير بإسكان الدال حيث جاء، والباقون بضمها، وهذا من إضافة الموصوف إلى الصفة أي: الروح المقدسة وهو جبريل وصف به لطهارته وتأييده به أن أمر أن يسير معه حيث سار حتى يصعد به إلى السماء، وقيل: روح عيسى عليه الصلاة والسلام ووصفها به لطهارته عن مس الشيطان أو لأنه لم تضمه الأصلاب والأرحام الطوامث أي: الحيض، وقيل: اسم الله الأعظم الذي كان يحيي به الموتى.
(١/١٦٨)
---
ولما سمعت اليهود ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام قالوا: يا محمد لا مثل عيسى كما تزعم عملت ولا كما تقص علينا من الأنبياء فعلت، فأتنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقاً فقال الله تعالى: ﴿أفكلما جاءكم﴾ يا معشر اليهود ﴿رسول بما لا تهوى﴾ أي: تحب ﴿أنفسكم﴾ من الحق، وقوله تعالى: ﴿استكبرتم﴾ أي: تكبرتم عن اتباعه، جواب كلما وهو محل الاستفهام والمراد به التوبيخ ﴿ففريقاً﴾ أي: طائفة ﴿كذبتم﴾ كموسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، والفاء لسببية الاستكبار للتكذيب أو التفصيل ﴿وفريقاً تقتلون﴾ كزكريا ويحيى عليهما السلام.